ما أسهل «الكلام»!

سامي الريامي

«التنظير» من دون وجود نظرية يُعتدّ بها، هو أصعب داء يجتاح الأمة العربية بشكل عام، وبما أننا جزء من هذه الأمة كان من الطبيعي أن يتأثر عدد من مواطني ومواطنات الإمارات بهذه الظاهرة «الكلامية» السهلة، ويتفرغوا للعمل في خدمتها، وهذا لا يخص شخصية بعينها، كما فهم البعض من مقال الأمس، بقدر ما يخص فئة وشريحة يزيد عددها وينقص، وفقاً لمتطلبات كل فترة زمنية!

لكن الخبر الجيد هو أن هذه الفئة لا وجود لها في عالم المنتجين والمبدعين وأهل العمل والتميز في دولة الإمارات، وإلا أصبح حالنا من حال بقية الدول العربية المملوءة بأساتذة وعلماء إدارة، وهي واقعياً ترزح تحت وطأة الروتين والضعف والفساد الإداري. تلك الفئة تعتاش على البطالة الفكرية، وتتوهم أن بإمكانها أن تبني صروحاً من الكلام والثرثرة، لكن الحقيقة أن حالها حال من يظن السراب ماءً، ويلهث وراءه معجباً ببصره، بينما هو لا يرى فعلاً.

ببساطة لا ينقصها تنظير، فإن ميزان العمل والإنتاج في الإمارات كفته راجحة دائماً على ميزان أهل الكلام، والعاملون بصمت يشكلون الأغلبية المطلقة، والمخلصون أكثر عدداً وقوة من أصحاب المصالح الشخصية، ومحبو الوطن والأرض ظاهرون على من استشرى الفساد في قلوبهم، ومن أجل ذلك كله، وبفضل هؤلاء الغيورين، أصبح للإمارات كيان ناجح وناجز، وأصبحت الدولة علامة فارقة في سباق التميز الأممي، واحتلت الإمارات موقعها الريادي في المنطقة والعالم.

ومع ذلك، فلا مانع من وجود جميع النماذج في المجتمع، فهذا حال جميع المجتمعات، يوجد فيها العامل، ويوجد الخامل، وفيها الصالح والفاسد، وفيها المتميز والمتحمس، وكذلك المحبط «بكسر الباء» والسلبي، ويوجد الناجح وعدو النجاح. لا يمكن تغيير طبائع البشر، هذا أمر طبيعي، لكن معيار نجاح المجتمع، ومن خلفه الدول، يكمن في ترجيح كفة على أخرى، فإذا زادت الفئات السلبية الخاملة عاشقة الكلام دُمر المجتمع، وإذا رجحت كفة أهل العمل والعلم نجح المجتمع.

أعتقد أن الإمارات رجحت فيها كفة العاملين بصمت، بعد أن تم تحجيم أهل التنظير والكلام غير المكلف، ومن أجل ذلك فنحن اليوم ثاني أهم اقتصاد عربي، ونحن اليوم الأفضل والأول والأكثر تميزاً في كثير من مجالات الحياة، على الرغم من استعراضات البعض، وعلى الرغم من ضعف إنتاجية البعض الآخر.

الإبداع طريق صعب، يحتاج إلى جهد وتميز وساعات عمل طويلة، ويحتاج إلى جَلَد ومسؤولية، أما التنظير والكلام فلا أسهل منهما، و«اللسان خالي من العظم»، مثلما قال الأولون، تدليلاً على سهولة القول وصعوبة الفعل، ومن أجل ذلك فإن أقصر طريق لكثير من أعضاء الفئة «المتفرغة» لبيع الكلمات، هو أن يقولوا ما لايفعلون، فهم يعشقون الوجود والظهور في كل منبر أو وسيلة تضمن لهم الانتشار والشهرة الزائفة، لتغطية العيب الحقيقي المتمثل في كونهم «لا يفعلون شيئاً»، وما أجمل أن لا تفعل شيئاً ثم تستريح قليلاً، كما يردد بعض الخاملين، فهذا تنظيرهم الوحيد الصحيح الذي ينطبق على حالهم.. على «إنك لن تخدع كل الناس.. كل الوقت».

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر