العقل المذنب

زياد العناني

حين يؤكّد مفكّرون عرب أن المجتمعات العربية من دون استثناء تعيش أوضاعاً مخيفة، تجعل منها عالة على الحضارة الحديثة، لابد للمرء أن يستغرب هذا الإطلاق، ليس لأنه يتعارض مع الحقيقة، وإنما لأن الجهة التي يجب أن تكون مقصودة بهذا الكلام تختفي، لكي يتوجه النقد إلى العقل العربي، بوصفه عقلاً مذنباً، وبلا إنجازات فكرية، وكذلك المجتمعات العربية، بوصفها حاضنة لهذه العقول، متناسين تماماً أن هذه المحاكمات الزائفة يجب أن تتجه قصداً إلى السلطات العربية المحمية بالخشية من الإساءة إليها، لأنها المسؤولة أولاً وأخيراً عن النضج أو الاعاقة، بحكم أنها تستطيع إطلاق طاقات العقل، كما تستطيع الوقوف على استقالته.

هل استقال العقل العربي بنفسه، أم أن السلطات بما تؤكد من مسلّمات قد دفعت به إلى الاستقالة من وظيفته الفلسفية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ تاركة له هامش الكسل والمؤشرات العصبية التابعة إلى لعنة الخوف وهامشية «الوعي غير الواعي» فقط.

هل يجزم أحد أن العقل العربي لا يتمتع بالتشطير الثلاثي الذي أقره المفكرون، بدءاً من البياني ومروراً بالعرفاني وانتهاءً بالبرهاني؟ أم أن العرب خارج هذا التشطير الذي يتمتع به العقل الإنساني؟ وهل تعد مكونات العقل الأميركي مثلاً أفضل من مكونات العقل العربي، أم أن المسألة مسألة نظام ينتمي إلى مقومات المجتمع المدني يبحث ويطور ويحدث ويواكب ويمحو التخلف، من خلال دعم وإطلاق المهارات الفردية والجماعية؟

ثم، هل أتيح للعقل العربي أن يطرح أفكاره النهضوية في منطقة البحث العلمي ومناطق انتاج المعرفة، بعيداً عن الانعطافات السياسية والدينية، لنقول إنه لا يستحق منزلة العقل الواعي، ونضيف أنه وراء مآزق تاريخية كثيرة نعيشها أو نتعايش معها اليوم، في ظل وجود عقل سلطوي منخرط في تأكيد الصيغة الوطنية التي تعني أن الدول موجودة بالفعل، وأن الدنيا بخير عميم؟

يمكن أن نطلق على العقل العربي صفة المغلوب أو المقهور، في ظل هذه البنية الصدامية التي تحيط به من الجوانب كافة، ويمكن أيضا أن نقول الكثير عن تكبيله ومنعه من التحرر من القيود، أما الذي لايمكن قبوله فهو وصفه بالتخلف في ظل أنظمة وتيارات تعتقد أن تفعيله يفقدها مبرر وجودها، خصوصا إذا كانت هذه الأنظمة، أو هذه التيارات، تكنّ العداء لوعيه ومنتجاته الحضارية.

ما يلفت الانتباه حقاً هو أن الكثير من هذه التهم تأتي مواربة، بمعنى أن الباحث أو المفكر يخاف من المكاشفة التي لا تحتمل في الدول الأمنية، فيلجأ إلى كسر البوصلة والإشارة إلى العقل العربي بالتعميم، فيحسب ويحتسب أن العقل نام في ميعة الكسل، من غير أن يرى أننا نعيش محنة كبرى، لم يتسبب فيها العقل؛ وإنما تسببت فيها سلطات ومحظورات وتابوهات أمعنت في قلة العقل، وفي طمس التوازن العلمي والفكري، ويكفي أن ينظر لكي يرى أنها لا تعترف بالمواطن، فكيف لها أن تعترف بالمفكر والناقد والعالم والمخترع والكاتب والشاعر؟ وكيف ستدعم جهود هؤلاء، إذا كانت هذه الجهود التنويرية ستسهم في خروج الناس من دائرة المغلوب والمقهور إلى دائرة الحر والمحرر والمتمتع بمظلة الوطن؟

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر