عن تصديق الكذب

باسل رفايعة

لا يحتاج أحد إلى أن يقرأ مقالاً يثبت فيه كاتبه أن إسرائيل دولة قامت على الأكاذيب، وتعيش عليها، ما دام أن القوى العظمى في العالم تصدقها، أو تغض الطرف عن ذلك، اتقاء للشرّ الإسرائيلي القادر على الانتصار على كل حق يملكه الضعفاء.

ولكن لا أقلّ من استمرار الكتابة ضد السعي العربي إلى تصديق الأكاذيب والخرافات الإسرائيلية عن السلام والتعايش والتطبيع الإنساني والثقافي، والتعاطي مع إسرائيل كدولة، وليس عصابة من النازيين المرضى بعُقد التاريخ، ولا شفاء لهم سوى بمزيد من قتل الناس بهمجية أسطورية.

آخر تجليات الكذب النازي كان هذا الأسبوع، فقد ذكرت صحيفة «هآرتس» الإثنين الماضي أن وزارة التعليم الإسرائيلية سحبت كتباً مدرسية بسبب احتوائها على فقرة تتحدث عن «تطهير عرقي» لنحو 750 ألف فلسطيني خلال حرب ،1948 شردتهم العصابات الصهيونية من أرضهم، إذ يؤكد الكذب الإسرائيلي أن القوات العربية هي التي أمرتهم بالفرار، أو أنهم فروا، بعد أن أخافتهم تقارير الإذاعات العربية.

كذب بأثر رجعي، وفي حقبة تاريخية موثقة بصور المذابح والبشاعات النازية، لا يقل عن التأكيدات بأن القوات الإسرائيلية لم تستهدف المدنيين في غزة، ثم ليقل تقرير «غولدستون» ما يشاء بعد ذلك، فإسرائيل محصنة بـ«الفيتو» الأميركي، وبعصابات «هاغاناه» جديدة ترتدي ملابس أنيقة، وتنشط في البرلمانات، والحكومات حول العالم.

المهم أن يتوقف العرب عن تصديق الأكاذيب الإسرائيلية الآن، وإن تأخر بهم الوقت كثيراً إلى زمن يتحاورون فيه مع مجرم حرب اسمه بنيامين نتنياهو عن السلام، وعن الدولة الفلسطينية، وعن مستقبل اللاجئين، وسائر القضايا التي يتندر نتنياهو وليبرمان بها، ولا ينظران إليها إلا كأحلام عربية، مفرطة في الوردية والتفاؤل.

لا أحد يقول إن الحرب مع إسرائيل مفيدة، فهي خاسرة قبل أن تبدأ، والأسباب معروفة، فنحن نريد السلام، لئلا يتواصل موتنا المجاني، وتكتظ الأناشيد والقصائد بدماء الشهداء دون طائل، فالزمن العربي لا يصلح للحروب، ومن العبث أن نتحدث عن المواجهات، حتى وإن كانت في سياق الاستهلاك الإعلامي.

الصدق العربي مع الذات، والتصالح مع الواقع أقل كثيراً من كلفة أي مواجهة، وإن كانت سياسية. وذلك يتطلب تعليق كل مبادرات السلام العربية المطروحة من طرف واحد، وتجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ودعم الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً من أجل البقاء، لأن أهمية الدولة الموعودة ليس بإعلانها، وإنما بقابليتها الحياة والاستقرار والسيادة، وهذا لن يتحقق أبداً ما دامت المجاميع الإسرائيلية تنتخب مجرمين طلقاء، مثل نتنياهو، والدولة المقبولة بأدنى شروطها لا تلائم العقيدة الإسرائيلية، ولا ضمانات لقيامها.

أعود إلى خبر «هآرتس» الذي يشير إلى أن الكتب المدرسية ستعود إلى المدارس بعد إجراء تعديلات عليها، لأشير إلى أن الكذب هو الرد الإسرائيلي الأكثر بلاغة على تمسكنا بسلام لا تريده أصلاً دولة تعتدي على التاريخ، وتعيد تأليفه في مرحلة نأمل فيها أن نفوز بمعركة «غولدستون».. ونصدق أن إسرائيل تخشى هذا الفوز، أو تحسب حساباً لنتائجه!

 

baselraf@gmail.com

تويتر