«الفيس بوك»

زياد العناني

ما هي إلا دعوة لا أذكر حتى من أين أتت وبعدها صرت عضواً في «الفيس بوك». وحين توجهت نفسي الامارة بالفضول إلى الصفحات والصداقات، وكذلك البريد الوارد خرجت علي امرأة تريد زوجاً وتسأل بكل جسارة عن دخلي الشهري، وخرج علي شعراء كثر لا تصلح كتاباتهم للنشرأ وتشبه الى حد ما «طبيخ الشحادين»، وخرجت علي خمسينية متصابية وصريحة اكثر مما يجب وقدمت لي شريطاً يحتوي على مغامراتها الأخيرة مع فريسة رجالية تمكنت منها على «الفيس بوك» ايضاً.

في البداية قلت نافذة تواصلية جديدة ربما تخرج المرء من ضجر الوحدة، وتسهم في تعارفه مع الناس في كل مكان، لكن ما حدث ـ ويحدث يومياً ـ في هذه النافذة لا يذكرني إلا بنظام البدائل الذي اختاره بيكت في كثير من كتاباته، حيث يقول عن بطل من أبطاله «أما بالنسبة لرجليه فأحياناً كان يلبس جورباً في كل رجل أو جورباً في رجل وآخر في رجل، أو يلبس حذاء طويلاً أو نعلاً أو جورباً طويلاً أو جورباً وحذاء»،أ قاصداً من وراء ذلك أن بطله يتمزق بين ضعفه تجاه نوع معين من البسكويت يحب تناوله وبين الامكانات الأخرى؛ لأن كل اختيار صحيح يعني أن هناك اختياراً خاطئاً.

وبناء على نظرية بيكت في نظام البدائل أتساءل هنا هل كانت لحظة الانضمام الى «الفيس بوك» اختياراً صحيحاً؟ وهل يعني هذا الاختيار أن هناك اختياراً خاطئاً بالفعل يتمثل في عدم الانضمام؟ كما أتساءل هل أصبح التواصل بين العالمين مجرد لعبة افتراضية لا تتعدى حدود الغرفة التي ينام فيها الشخص الإنساني ويعزل نفسه طواعية عن الناس والمحيطأ والتاريخ والطبيعة والتفاعلات الاقتصادية والسياسية وحتى الوهم الأيديولوجي الذي يتبناه ويراه وهو يتلاشى في هذه المساحة الشبحية فلا يجد ما يتحرك سوى أصابعه التي تتواصل مع هذه النافذة، وأنه قد بقي من المتحمسين لوجهة نظر محددة لأسباب عدة، منها أنه أمام لعبة تأخذه الى افتراض صديق أو صديقة بسحنة أو من دونها، وافتراض قضية مهمة أو غير مهمة أو موقف ماأ أو جملة من المواقف غير المفهومة، مادامت المسألة مجرد ادعاء صداقات صورية وعلاقات لا تحصر بمعرفة حقة تبدو فيها حتى الصور ليست ظلالاً للواقع وتعاكس نظرية الكهف الأفلاطوني.

أكيف يمكن لنا أن نستغل «الفيس بوك» ليكون شبكة سياسية واجتماعية أو ابداعية مفيدة؟ وكيف السبيل الى تحقيق جملة من الصداقات الجادة واستغلال هذا الفضاء أو هذه المحطة العالمية لفضح التعسف والظلم والاضطهاد؟

وفي هذا الإطار تتابع الكثير من الأسئلة التي لابد من طرحها على المشتركين وعلى إدارة «الفيس بوك»، ولكن المرء وفي ضوء ما يحدث يجد أن هذه الأسئلة ليست مهمة، خصوصاً في وجود ادارة غير معروفة الملامح أصلاً ويمكن ان تحجب الخدمة عنه وتغلق حسابه، ليجد فجأة انه لست موجوداً على خريطة الموقع، وأن صفحاته قد اختفت، وكذلك الأصدقاء الذين كان يتقوى بهم في عالم أقل ما يُقال فيه أنه وجد من أجل بناء المشهد التفاعلي.

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر