الجشع ليس حلاً للركود

جورج فهيم

مدارس وفلسفات مواجهة الركود في الشرق والغرب محفوظة عن ظهر قلب ويعرفها أي طالب مبتدئ يدرس علم الاقتصاد، لكن بعض الشركات تريد أن تعفي نفسها من عناء البحث عن سبل للإفلات من آثار الركود، وتتصور أن الجشع في معاملة المستهلك هو الحل، ولذلك تلجأ إلى تحميله بما لا يطاق من رسوم وغرامات ومصاريف من دون أي مقابل حقيقي يحصل عليه.

والأمثلة على ذلك عديدة، فبعض المستشفيات مثلاً لجأت إلى بدعة تقاضي رسوم فتح ملف مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 50 و200 درهم حسب مستوى المستشفى، على الرغم من أن فتح الملف في الماضي كان مجانياً ولا يتطلب سوى قطعة ورق وبضع قطرات من الحبر، وهذه الإتاوة ليست اختيارية وعلى المريض أن يدفعها صاغراً، حتى ولو وصلت تكلفة الخدمة الطبية إلى مستويات فلكية وضاع على الدولة إدراك هدف أن تصبح مركزاً إقليمياً للسياحة العلاجية. وما فعلته بعض المستشفيات لا يختلف عما تفعله بعض المدارس التي فرضت على أولياء أمور إعادة سداد القسط الأول من مصاريف باصات أبنائهم بعد مرور أقل من أسبوعين على بدء الدراسة، لا لشيء إلا لأنهم انتقلوا إلى منزل جديد يبعد قليلا عن مسكنهم القديم. وما تفعله بعض المدارس والمستشفيات ليس بأفضل مما لجأت إليه إحدى الشركات التي تمطر عملاءها بوابل من الأسئلة في إطار مسابقة متعددة المراحل للفوز بالذهب، وفي كل مرة يجيب العميل على سؤال تقوم الشركة بخصم درهمين من رصيد حسابه، حتى ينفذ رصيده وينفذ صبره ويكتشف في نهاية المطاف أن التبن في انتظاره بدلاً من التبر.

وهذه فقط مجرد عينة صغيرة لبعض الشركات التي تفضل أن تضع العميل تحت قدميها بدلاً من أن تضعه فوق رأسها، لأنها تتصور أن العلاقة مع العميل هي علاقة إذعان لا نقض فيها ولا إبرام، والحديث عن رضا العملاء والقيمة مقابل النقود إنما هو ثرثرة في أوقات الفراغ ومساحيق ترتديها في المناسبات، وأن الحفاظ على حقوقهم وامتيازاتهم أهم 1000 مرة من رضا العميل.

هؤلاء ليست لديهم القدرة على استخدام الموارد بكفاءة لرفع الإنتاجية وتطوير منتجات وأسواق جديدة، ووضع سياسات واستراتيجيات لزيادة الإيرادات وتوفير السيولة وتخفيض التكاليف وترشيد الإنفاق، لأن هذه الأمور شاقة ومؤلمة ولا يريدون أن يحملوا أنفسهم عناء اقتحامها.

وإذا كانت الأرباح والإيرادات لا تسمح بدفع الحوافز والعلاوات فلا مانع لديهم من أن يمدوا أيديهم عميقاً في جيوب المستهلكين تحت ذرائع ومسميات شتى ما أنزل الله بها من سلطان من دون أن يحركوا أصابعهم قيد أنملة، لأن الركود في اعتقادهم مشكلة المستهلك وليست مشكلتهم، وبالتالي فإن عليه أن يبحث عن حل لها. وعلى الرغم من أن هذه الشركات تمثل قلة من جمهور الشركات، فإنها كالمرض المعدي الذي ينتقل بسرعة البرق من العضو المريض إلى السليم، لينتقل فيروس التشوهات السعرية من سلعة إلى سلعة ومن سوق إلى أخرى، بصورة تُحمّل السلع والخدمات بتكلفة غير منظورة تضعف من القدرة التنافسية للاقتصاد وتجعل السلع والخدمات المستوردة من الخارج أرخص كثيراً من السلع والخدمات المنتجة في الداخل.


georgefahim_63@hotmail.com

تويتر