رضا القراء

سالم حميد

يُروى عن الشخصية الطريفة المشاكسة «جحا»، أنه دخل إلى السوق بصحبة ابنه، وكان جحا يركب حماره بينما كان ابنه يسير بجواره، فاستهجن الناس تصرف جحا وقالوا «انظروا إلى هذا الرجل الذي لا يرحم صغيراً، ركب الحمار واستمتع بالراحة، وترك ابنه الصغير المسكين يسير على قدميه، أهذه صنيعة أبٍ رحيم رؤوف؟ أين الشفقة والرأفة التي يبدو أنها نزعت من قلب جحا؟»، فما كان من جحا إلا أن نزل عن الحمار وأركب ابنه عليه، ثم واصل مسيره على قدميه، بينما ابنه يركب الحمار، وما هي إلا دقائق حتى يستهجن الناس من جديد قائلين «أين بر الوالدين؟ كيف يركب هذا الولد الحمار بكل ارتياح بينما والده العجوز يعاني من مشقة المسير راجلاً؟»، فقام جحا وركب الحمار بجوار ابنه وصار الاثنان على الحمار، ولكن الناس استمروا في توجيه انتقاداتهم قائلين «أي رحمة هذه التي نزعها الله من قلب هذا الرجل وابنه؟ ألا يرحمان الحيوان، حيث أثقلاه بركوبهما معاً على ظهره؟»، حينها لم يجد جحا حلاً سوى النزول عن ظهر الحمار هو وابنه وأصبح الاثنان يسيران بجوار الحمار دون أن يركب عليه أي منهما، فيما استمر الناس في توجيه عبارات الاحتجاج والاستهجان قائلين «ما هذه الحماقة؟ الرجل وابنه غبيان لأنهما يمشيان راجلين ويتركان حماراً إنما وجد ليركب عليه، يسير دون أن يركب عليه أحد ومالكه وابنه يسيران على قدميهما، فعلاً أحمقان!»، فقام جحا وابنه وحملا الحمار على ظهرهما وأكملا مسيرهما في السوق والحمار على ظهريهما! فأكتفى الناس بالضحك عليهما، وقال جحا لابنه «يا بني، إن رضا الناس غاية لا تدرك، ولا أحد يسلم من اعتراض الناس على أي حالة كان».

من الأمور البديهية التي يتعرض لها كُتاب الرأي تلقي انتقادات واستهجانات بعض القراء، إذا ما تم طرح موضوعات لا تهم هؤلاء البعض، ولكن الغريب أن يصل الانتقاد إلى حد التناقض في ما يرغب القارئ في قراءته أو تحقير الكاتب وإسهاماته! فقد تخترق السهام جسد الإنسان ولكن إطلاق الإهانات يؤدي إلى اختراق الروح، ومهما يحاول الكاتب إرضاء بعض القراء يبقى الرضا غاية يصعب إدراكها! كما يصعب على البعض أن يفهم أنه ليس بالضرورة أن يكون العمود الصحافي مخصصاً فقط لطرح الهموم والمشكلات! فهل من المعيب ذكر طرفة أو حديث ذي مغزى أو معلومة يستفيد منها القارئ؟!

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تتعلمون منه»، أما الإمام الشافعي فقد قال عن الهم «فادرأ الهم ما استطعت عن النفس، فحملانك الهموم جنون».

salemhumaid.blogspot.com

 

تويتر