مفهوم المواطنة

زياد العناني

ثمّة كتابات كثيرة تتحدث الآن عن ترسيخ مفهوم المواطنة في العالم العربي، وتسعى جاهدة إلى تجسيده في الحياة السياسية فقط.

وإذ نتأمل معظم هذه الكتابات سنجد حتماً أن مفهوم المواطنة فيها يطرح وكأنه منّة من هؤلاء الكتبة على الرعية، بمعنى أن أبحاثهم مجرد ملاحق تأتي لكي تؤيد الدولة في مهمتها الكبرى التي تجعل من فلان جزءاً من الوطن، أو تنبذ وجوده الى الحد الذي يعني انه لم يولد بعد، ولم ير النور، وليست له أي حقوق مدنية أو إنسانية يتبنى بعدها أو في ظلها أنه مخلوق مثل بقية المخلوقات.

الأصل هو أن المواطنة يجب أن تكون مرجعية الدولة لانها تقوم عليها، مثلما تقوم على الحيز الجغرافي، وبناءً على هذه المرجعية الناطقة والرائية والمفكرة والحامية والمناصرة يجب أن تفهم عبارة الفيلسوف الالماني كانت «الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكن أن نسند إليه أي قيمة مطلقة» في مكانها الصحيح، كما يجب أن يفهم أن المواطنة التي يتحدث المتحدثون عن معناها الذي يحشر فقط في خانة الانتماء تتجاوز هذا المفهوم الى مفاهيم أخرىأ منها أن الدولة العصرية مشروع إدارة يتكفل بتحقيق المطلب الجمعي للمواطنين، وليس العكس فقط، وان المواطن هو القيمة الوحيدة التي تؤكد أن هذه الدولة تستحق الاحترام، أو انهاأ مجرد مرتعة للنخب السياسية، أو عرضة لمبدأ الادارة بالازمات الذي نراه وهو يتجدد في واقعنا يوماً بعد يوم مخلفاً جملة من الهويات المتعددة والأمراض التي تهدد السلم الاهلي، إضافة الى هوية الدولة نفسها.

كيف يمكن أن يحترم المواطن بشكل عام؟ بل كيف يمكن للمواطنة الحقة أن تحترم في أية دولة تقوم على الفجوات اللاإنسانية أو على دولة تشبه «الغولة» وحكاياتها المرعبة في القص القروي؛ حيث المواطن يخاف ويرتعش من مخلوقة عجيبة الهيئة تخرج في الليل وفي النهار لكي تبتلع الناس أو الحقوق، وتتطاول على الخصوصيات في حرية الفكر واعتناق الآراء، ولا توفر الحماية الاجتماعية والصحية له.

بصراحة تامة لقد تعب المواطن العربي من سماع المحاضرات الكثيرة التي تحاول تأصيل مفهوم المواطنة حسب الروايات التي تقودها السلطة الى الحد الذي صار يتساءل فيه عن مفهوم الدولة في عقل السلطة العربية؟ وهل يمكن له أن يتجاوز في حدّه الاقصى مفهوم القبيلة أوالعشيرة أو حتى تجليات الكرسي القائمة على صناعة القهر ومواجهة الوعي العام بالتخوين والطعن في هوية من يفكر فينقد المهيمن أو المقصر أو المستهتر في استظهار حقوقه السياسية والاجتماعية.

وأخيراً هل ثمّة مواطنة بالإكراه؟ وهل يجوز في أي حال من الأحوال أن يصبح المواطن مجرد «بهلول» أو مملوك للدولة، أو يصبح مجرد بوق تمرّ من خلاله أصوات السلطة وأغانيها الوطنية التي تتزايد باستمرار لتؤكد عدم استقرارها السياسي، والاغتراب الذي يعني أن الجميعأ في دائرة التوطين وليس في دفء الوطن الغالي.

zeyad_alanani@yahoo.com



 

تويتر