البحث عن مترجم مغامرات

أحمد السلامي

تطرقت في «مرافئ» الأحد الماضي إلى جامعات موسكو التي كانت تمنح كل من هبّ ودبّ شهاداتها في الزمن الاشتراكي، والإشارة إلى الموضوع تتعلق بمسألة أثارها الأكاديمي الروسي ميخائيل سفوروف، أستاذ الأدب العربي في جامعة سانت بطرسبورغ.

كان ميخائيل يتحدث قبل أسابيع في لقاء تعارفي إلى حشد من الأدباء، ومن سياق حديثه إلى جانب إصرار بعضهم على إبراز إعجابهم بتشيخوف وتولستوي، اكتشفنا أن انقطاع العرب عن ترجمة ما استجد في الأدب الروسي يجعلنا نبدو أشبه ما نكون بالمستشرقين الذين توقف الزمن بهم عند حدود ابن عربي وإخوان الصفا.

قبل أن أتعرف إلى سفوروف مباشرة، كان قد بعث إلي منذ ثلاث سنوات برسالة عبر البريد الإلكتروني من سانت بطرسبورغ، ولا أعرف حتى الآن كيف اهتدى إلى عنواني المجهول . جاء في الرسالة ما يفيد بصدور رواية بالروسية بعنوان (Yemeniada أيام في اليمن) أو (المغامرات اليمنية)، كتبها مستشرق روسي يدعى أليكساندر بيلكين، وقال ميخائيل في رسالته إنه متأكد من أن الرواية إذا ما ترجمت إلى العربية فستبدو «أخاذة»، على حد تعبيره، وزاد قائلاً: من اللافت أن الرواية هي الثانية التي تجري أحداثها في اليمن، بعد رواية «الصحافي» لأندري كونستانتينوف.

بعيداً عن بقية التفاصيل التي تتحدث عن صورة العرب في الرواية، وكيف مزَج كاتبها بين التناولين الواقعي والفانتازي للأحداث، اختتم سفوروف رسالته بتساؤل لم أجد له جواباً، إذ كتب: فهل يوجد من يتحمل مشقة ترجمتها من الروسية إلى العربية؟

ومنذ ثلاث سنوات وأنا أقول لنفسي: لابد أن أحدهم سيترجم الرواية «الأخاذة»، وربما يتصدى لها أحد الذين أمضوا سنوات طويلة للدراسة في روسيا، وعادوا بزوجات روسيات ساعد وجودهن على احتفاظهم باللغة الروسية قراءة ونطقاً، وربما جلبن معهن قواميس وموسوعات من شأنها أن تكون عوناً للمترجم المجهول.

مضت السنوات الثلاث، وحين التقيت الدكتور سفوروف أخيراً، سألته عن الرواية «الأخاذة»، وعما إذا كان قد عثر على من يتحمس لترجمتها، ففتح حقيبته اليدوية وأخرج نسخة من الرواية بطبعتها الروسية التي لم يقترب منها أي مترجم حتى اللحظة، وقال مازحاً إنه بات يعقد الأمل في ترجمتها على أستاذ جامعي يجيد الروسية بطلاقة، لأنه تزوج من ثلاث روسيات، لاتزال الثالثة والأخيرة تنثر لغة قومها في أرجاء بيته.

أعاد ميخائيل الرواية إلى حقيبته، وقلت له: يبدو أننا لم نعد بحاجة فقط إلى من يترجم لنا مغامرات بيلكين، بل أصبحنا بحاجة إلى من يكتب عن حقيقة المغامرات الفعلية لمئات الطلاب العرب الذين درسوا في روسيا، وفي غيرها. كأن التبلد هو السلوك الذي يحكم علاقاتنا بالآخر، وإلا، فما معنى أن نكتشف الآن أن حال قوافل الطلاب العائدين من موسكو لا يختلف عن حال العمال الأميين الذين يعودون بعد سنوات من الاغتراب في برمنغهام، أو ميتشغن، كأنهم لم يغادروا مرابع العشيرة؟

slamy77@gmail.com

تويتر