الحج والأنفلونزا المشؤومة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، لا تنسخه الأقلام، ولا تؤثر فيه الآلام وحوادث الأيام، فهو فريضة الله تعالى على عباده مرة واحدة في العمر، بشرط الاستطاعة المادية والجسدية، وقد كان الحجاج والعمار يتعرضون لكثير من السلب والنهب والمخاطرة بالنفس، فكان الذاهب إلى الحج يُعد في حكم المفقود، والعائد كأنه مولود. ومع ذلك، لم تَتبن أمة أو بلدة مقاطعة هذه الفريضة الإسلامية، والسياحة الإيمانية؛ لأن ذلك يتنافى مع وضع الحج الذي هو توكل على الله تعالى ذي المعارج، وتضحية بالمال وراحة الجسد من غير معالج، ولأنه يعتبر صداً عن المسجد الحرام، وقد توعد الله تعالى من يصد عن بيته بالعذاب الأليم، ولم يكن بيت الله وحرمه الآمن يخلو من الطائفين والعاكفين والركع السجود، من الحاضر والباد، ولو صُد من صُد عنه، فما إن يُؤذن للناس بالحج حتى تهفو النفوس غير عابئة بصروف الزمان، أو قواطع الحدثان، وهكذا يفعل الإيمان في كل زمان ومكان. فما لهذه الفاقرة التي حدثت في العالم، المسماة بأنفلونزا الخنازير، أخذت ترهب المسلمين والمؤمنين، فتحملهم على ترك ما وجب عليهم، مع أنها لم تصل إلى درجة الجائحة الشاملة أو الطاعون العام؟

ولقد كنت مع مسؤول كبير في وزارة الصحة قبل يومين، فقلت له: ما نبأ «إتش1 إن 1»؟ فقال: إنه أخذ أكبر من حجمه، وهو لا يعدو الأنفلونزا العادية، بل إن فتك هذه أشد وأكثر، فلماذا هذا التهويل وجعلها كأنها طاعون عام، بحيث لا نقدم على بلد هو فيه، كما لا نخرج منه لو حل فيه، كما هو الهدي النبوي والشرع الإسلامي؟ ولو أنه كان كذلك لكنا معاشر العلماء أول المنادين بالحجر الصحي دخولاً وخروجاً؛ لئلا نكون كاتمين للعلم أو غير ناصحين للناس، وذلك فرض على العلماء، وقد كنتُ أشرت إلى ذلك في مقالات سابقة إبان ظهوره، غير أن الله تعالى سلم، فلم يزل خطر هذا الداء محدوداً جداً بحيث لا يستدعي القلق، فضلاً عن تنظيم يمنع المسلمين من الحج، ومن الأجدر قبل صدور تقنين أو تنظيم ينص على منع الناس من الحج أن يكون مستنداً إلى أقوال الفقهاء وتصوير الأطباء والخبراء، كما قال سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدوهُ إِلَى الرسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم}.

 مع العلم أن كلا الفريقين قد فعل ذلك، أما الأطباء والخبراء فقد أصدروا توصيتهم في اجتماعهم الوزاري بالقاهرة بعدم تمكين صغار السن والعجزة والحوامل ومرضى السكري؛ نظراً لضعف مناعتهم، وذلك من باب الوقاية في حقهم، وقد أيدهم في ذلك جمهور الفقهاء من كل بلد، فكان هذا رأياً سديداً، وعملاً مفيداً. ومنذ ذلك الوقت، لم يزد وضع هذا المرض خطورة، بل مازال في حدود السيطرة، لاسيما مع ظهور لقاح يقي إن شاء الله تعالى من خطره وشرره، فليس هناك داع طبي، ولا مستند شرعي لهذا المنع، بل هو من تغليب الهوى على الحق، واستجرار لمنهج الصد عن بيت الله الحرام الذي كان قبل الإسلام، والشأن في المسلمين، أفراداً ودولاً، ألا يكونوا كذلك، فقد أنكر الله تعالى على أولئك الصادين غاية الإنكار، كما قال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَد عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ}. أي هو أعظم إثماً وأكبر جرماً. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

تويتر