الدجاجة التي تبيض فيروسات!

جورج فهيم

سبحان مُغير الأحوال، قبل عام واحـد فقط كانت شركات الأدويـة العالمية تغلق أقسام إنتاج الأمصال لديها، وتنأى بنفسها عن ضخ أية استثمارات في هـذا القطاع الذي تعتبره بطـيء النمـو في الدول المتقدمـة، قليـل الأرباح في الدول النامية.

لكن الأسبوع الماضي وحده شهد الإعلان عن ثلاث صفقات استحواذ بالمليارات، حيث اشترت شركة «أبووت» الأميركية العملاقة للصناعات الدوائية شركة «سولفاي» البلجيكية مقابل 6.6 مليارات دولار، كما استحوذت شركة «جونسون أند جونسون» على نسبة 18٪ من أسهم شركة «كروسيل» الهولندية، فيما اشترت شركة «ميرك»، وهي واحدة من كبرى شركات الأدوية الأميركية، شركة «سي.إس.إل» الأسترالية العاملة في المجال نفسه، وقبل ذلك بوقت وجيز اشترت شركة «استرازينكا» البريطانية شركة «ميداميون» مقابل 15 مليار دولار، ودفعت شركة «فايزر» 68 مليار دولار لشراء شركة «وويز». والحقيقة أنه يصعب من الناحية الاقتصادية البحتة فهم الزيادة الطارئة في حجم صفقات الاستحواذ في صناعة الأمصال، في وقت يعاني العالم أزمة سيولة، وفي وقت شهدت صفقات الاستحواذ عالمياً انخفاضاً بنسبة تزيد على 40٪ من أربعـة مليارات يورو عام 2000 إلى أقل من 2.7 مليار يورو عام .2009

لكن هذا اللغز المحير ربما يجد تفسيره بسهولة في «أنفلونزا الخنازير»، التي قفزت بمبيعات الأمصال إلى نسبة 10٪ من إجمالي مبيعات شركات الأدوية، وهذا يعني ببساطة أن حجم سوق الأمصال سيصل إلى 21 مليار دولار بحلول عام 2010 بفضل برامج التطعيم التي تستهدف 40٪ من سكان الكرة الأرضية، أي ما يقرب من ملياري نسمة.

غير أن تهافت شركات الأدوية على شراء شركات إنتاج الأمصال يصعب تفسيره على خلفية تزايد الطلب فقط، وإنما هناك تطوّرات أخرى في مقدمها نجاح لوبي صناعة الأدوية، وهو أقوى لوبي في العالم، في استصدار قانون «بريب» الذي يمنح شركات إنتاج الأمصال حصانة من الملاحقة القضائية للتعويض عن الأضرار التي تنتج عن تعاطي المصل.

وفي الحقيقة، فإن صدور القانون كان الخطوة المنطقية التالية بعد حصول شركات الأمصال على الضوء الأخضر من منظمة الصحة العالمية لاختصار مراحل الاختبارات المعملية من أربع مراحل تتضمن إجراء اختبارات على عشرات الآلاف من الأشخاص إلى مرحلتين فقط لا يزيد عدد المشاركين فيهما على بضع مئات. وبالطبع فإن منظمة الصحة العالمية عندما أعطت الضوء كانت تشعر بوطأة الوباء الذي أصاب في فترة وجيزة أكثر من نصف مليون شخص وقتل أكثر من ،4000 وربما كانت هذه الضغوط وراء غض منظمة الصحة النظر عن استخدام تقنية «ادجوفانت»، التي تتضمن استخدام مواد مساعدة تحتوي على عناصر خطرة مثل الزئبق تسبب قائمة طويلة من الأمراض، لكنها في المقابل تسرع من عملية إنتاج الأمصال وتخفض مقدار المواد الفعالة المطلوبة لإنتاج الجرعات. وبحسبة بسيطة، فإن شركات إنتاج الأمصال التي تتركز في تسع دول متقدمة يصل تعدادها إلى 750 مليون نسمة، عليها أن تعمل ليلاً ونهاراً لإنتاج مليار جرعة تكفي بالكاد احتياجات شعوبها، على أساس أن الفرد يحتاج في المتوسط إلى جرعتين، فمن أين إذن ستأتي الجرعات التي سيبيعونها للدول النامية إلا إذا كانوا سيضحون بأنفسهم من أجلنا؟ ومن أراد الفهم فليفهم.

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر