صَدقْ رسول الله.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

لو نظرنا بإنصاف إلى معظم المشكلات الزوجية لوجدنا السبب المشترك فيها جميعاً أن كل واحد من الزوجين يطالب بحقوقه وينسى تماماً أن عليه فى المقابل واجبات هي حقوق للطرف الآخر، فالرجل يطلب الاعتراف بقوامته الحاكم الأوحد الذى من حقه وحده أن يتحكم فى حرية زوجته وفي مالها ـ على الرغم من أن الشرع جعل للزوجة ذمة مالية مستقلة لا سلطان لزوجها عليها ـ وفي تكوين شخصيتها وفي حقوقها المستقلة التى كفلتها لها كل شرائع السماء، ويفعل ذلك طمعاً في الاستحواز على كل ذلك منها، لأنه أصلاً ما تزوجها إلا من أجل ذلك فهو إذن ما صدق قوله صلى الله عليه وسلم: «من تزوج المرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً». وكذلك الزوجة الطامعة التي تساوم زوجها على حقوقه الشرعية بمقابل مادي ويغيب عنها أنها بذلك تشبّه نفسها بالبغي الأجيرة، وهي أيضاً ما اختارته إلا طمعاً مادياً وما صدقت قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض». والزوج الذى اختار الجميلة ليتباهى بجمالها وربما ليعاند بها غيرها، ولتحقيق ذلك لابد وأن يتغاضى عن كثير من المروءة والشهامة والغيرة الفطرية كالأسوياء من البشر، وإذا خرجت أمام عينه سافرة متبرجة مبالغة في إظهار مفاتنها، فيصبح دون ما يشعر كما توعّد النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة ولا يشم ريحها، لأنه فقد الغيرة على حرمته فهو إذن ما صدق قوله صلى الله عليه وسلم: «من تزوّج المرأة لجمالها لم يزده الله إلا ذلاً». وكذلك الزوجة التي ترفض غيرة زوجها ولا تقبل حرصه على عفافها وتراه مستبداً متحكماً في ما ليس من حقه، وتزعم أنها حريتها الشخصية وأن كل إنسان مسؤول عن نفسه، فما صدقت قوله صلى الله عليه وسلم: «أول من يتعلق بالرجل يوم القيامة زوجته وأولاده، يقولون ربنا خذ لنا منه حقنا فما علمنا أمر ديننا». وهكذا.. كل طرف يبحث عن شهواته من دون مراعاة لقدسية رابطة الزواج وما تفرضه من حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين، وليس من حق طرف إلا وهو واجب على الآخر.

ومن أرشيف المحاكم في عصر سابق قريب أن زوجاً اختلف مع والد زوجته فأراد الوالد أن يعاقبه فمنع عنه زوجته وأخذها عنه واختلق المشكلات، وزعم كاذباً أن الزوج لم يعط الزوجة مهرها ورفع الأمر للقاضي وألزم ابنته بالتصديق على ذلك فلما اجتمع الكل في ساحة المحكمة وعلى الزوجة نقابها سأل القاضي الزوج عن المهر فقال: دفعته وأطلب شهادة زوجتي فقال القاضي: لا تقبل شهادة منها إلا إذا رفعت نقابها لنعلم أنها هي فاندفع الزوج بغيرة المحب قائلاً: لا ترفع نقابها وأدفع المهر مرة أخرى، فبكت الزوجة متأثرة بغيرته عليها وقالت: والله لا أخذله وهو يغار عليّ وأشهد أنى لا أجد على الأرض زوجا مثله وقد تسلمت مهري عند الزواج.

فهل تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعيد فهم العلاقات الزوجية التى وصفها الله بأنها آية من آياته فيها السكن والمودة والرحمة.. وصدق الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم منْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم موَدةً وَرَحْمَةً إِن فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ» (الروم «21»).. حاول لو سمحت.

المستشار التربوي لبرنامج "وطني"

mustafa@watani.ae

تويتر