لا تقرضني.. لو سمحت!

مصطفى عبدالعال

هل أقترض لأنني في حاجة إلى الاقتراض؟ أم أنني أبحث عن أية حجة لآخذ منك ومن غيرك أو أستغل العروض البنكية وما أيسرها وما أكثرها؟

مع خروجنا من رمضان ينبغي أن نراجع فكرنا وسلوكنا، هل أزاح عنا الصوم شهوة استغلال أموال الغير؟ ألم نتفق من البداية على أن الصوم وسيلة والغاية التقوى {كُتِبَ عَلَيْكُم الصيَامُ..... لَعَلكُمْ تَتقُونَ}، فلنصدق مع أنفسنا القول في الجواب عن السؤال السابق كمثال من السلوكيات، إن كنت أقترض لحاجة ماسة كسكن أقيم فيه أو سيارة على الحد الذي يناسبني أو لعمل مشروع أتكسب منه حلالاً، فما علي إلا أن أراجع بالهاتف دائرة الفتوى عن شرعية القروض عازماً بصدق على الإسراع في السداد بأسرع الأسباب، إن كنت من هذا الصنف من المقترضين فالله معك بالبركة والتوفيق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه...» البخاري. لكن لنكمل نص الحديث ففيه الجواب عن بقية السؤال وهو لمن يبحث عن أية حاجة يستغل بها أموال الغير: «كشخة»، تغيير السيارة إلى أعلى الموديلات الحديثة وأغلاها، السفر للسياحة وربما لأمور أخرى! توسيع البيت بما لا حاجة إليه إلا التقليد والمفاخرة، ناهيك عن عقليات عبقرية راحت تقترض لتدخل ساحة الأسهم والبورصات يريدون من الهواء تحصيل أرباح فلا رأس المال يملكونه، ولا العلم بهذه الأسواق يعرفونه، ولا هم أصلا في حاجة إلى أن يقحموا أنفسهم في ما ليس لهم فيه! إنما هو التقليد واستغلال الفرص، ما النتيجة على أرض الواقع؟ إنها دوامة من المغامرات، والتخبط في القروض من بنوك وجهات عدة، وأخذ من هنا في محاولة خاطئة لسداد هناك، وتتسع الهوة ويغرق صاحبنا في بحر الظلمات، فتتخبط حياته الأسرية والاجتماعية، وتلاحقه الديون والدائنون، ويفقد بين الناس صدقيته والثقة بالتعامل معه.

وكم فقد بعضهم عمله وزوجته وشرد أطفاله، وعاش عالة على أهله وأرحامه، وانتهى به الأمر إلى البحث عن الزكاة والصدقات، فلنقرأ بقية الحديث: «... ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله»! أنا لا أعظ بكلام إنشائي إنما نقرأ الواقع معا من منظور اجتماعي ملموس، فما رأيك ورمضان ليس ببعيد لو تعلقنا بمكارمه، وبرسالته في مراجعة النفس، ولنجالس المصطفى صلى الله عليه وسلم لنسمعه وهو يستعيذ من الديْن فيقول: «أعوذ بالله من الكفر والديْنِ، فقال رجل: يا رسول الله، أتعدل الكفر بالديْن؟ قال: نعم»، رواه النسائي والحاكم. ويحذر من الديْن، لأنه هم بالليل وذل بالنهار كما عرفنا، فيقول: «أقلّ من الذنوب يهن عليك الموت، وأقل من الديْن تعش حراً» البيهقي، ويحذر من موت الإنسان وهو مدين فيقول: «والذي نفسي بيده لو قتل رجل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل، ثم عاش، ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يُقضى دينه»، النسائي والطبراني والحاكم.

حتى إنه صلى الله عليه وسلم قُدمت بين يديه جنازة رجل فسأل: «أعليه دَيّن»؟ قيل: ديناران!فلم يصل عليه، فتحملهما أبوقتادة قائلا: الديناران عليّ. فصلى النبي على الجنازة. وبعد ذلك بيومين سأل: هل دفع أبوقتادة الدينارين؟ فقيل: يارسول الله، إنما مات الرجل أمس! فعاد أبوقتادة قائلا: لقد دفعتهما يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «الآن بردت جلدته» مسند أحمد.

 

المستشار التربوي لبرنامج "وطني "

mustafa@watani.ae

تويتر