صفقة «مكتوب»

جورج فهيم

خلال تسع سنوات فقط، استطاعت شركة «مكتوب دوت كوم» أن تتحول من شركة صغيرة يديرها اثنان من الهواة في شقة مكونة من غرفتين، إلى شركة عالمية تسعى إلى الاستحواذ عليها شركة عملاقة مثل شركة «ياهو» صاحبة ثاني أكبر محرك بحث على الإنترنت شعبية في العالم، لكن وللأسف الشديد فإن هذه الصفقة المهمة مرت على كثيرين في العالم العربي مرور الكرام من دون فهم حقيقي لمعناها ومغزاها، والرسائل العديدة التي تبعث بها من بين السطور.

وبادئ ذي بدء، فإن الصفقة ـ وهي أكبر عملية استحواذ في قطاع التكنولوجيا في العالم العربي حتى تاريخه ـ تعني أن ثمار ريادة الأعمال في العالم العربي بدأت أخيراً تؤتي أكلها، وأن هناك الآلاف من شركات التكنولوجيا العربية التي بدأت في الظهور على رادارات شركات مواقع البحث العالمية، التي تتنافس على كعكة إعلانات الإنترنت، والتي من المتوقع أن يصل حجمها بحلول عام 2010 إلى 65 مليار دولار بنسبة نمو سنوية تزيد على 25٪.

وبصرف النظر عن الثمن الذي دفع في الصفقة، والذي يقال إنه تجاوز 100 مليون دولار، إلا أن الصفقة تمثل يوماً تاريخياً لصناعة التكنولوجيا في العالم العربي الذي ظهر أخيراً، على خريطة الإنترنت العالمية بعد أن ظل مضمون المواد المتاحة باللغة العربية على الإنترنت طوال عقود طويلة هزيلاً ولا تتجاوز نسبته أكثر من 1٪ من إجمالي المحتوى المتاح على الإنترنت، رغم أن عدد سكان العالم العربي يتجاوز 320 مليون نسمة موزعين على 22 دولة.

ومن المؤكد أن هذه الصفقة ستفتح الباب أيضاً أمام الاستحواذ على مزيد من شركات التكنولوجيا العربية في إطار لعبة الكراسي الموسيقية بين ثلاثي عمالقة تقنية الإنترنت في العالم «غوغل» و«مايكروسوفت» و«ياهو»، وهذا بدوره يعني مزيداً من المشروعات، ومزيداً من الوظائف، ومزيداً من النضج في فكر ريادة الأعمال في العالم العربي ـ الذي بات يدرك الآن أن المستقبل ليس في العقارات والبورصة فقط ـ وإنما في قطاع التكنولوجيا الذي خرج من تحت عباءته معظم المليارديرات الجدد في العالم.

وبالطبع، فإن هذه الصفقة التي ستجعل المحتوى العربي متاحاً على مستوى العالم لن يكون لها تأثير فقط في المستهلكين والمعلنين والناشرين، وإنما سيمتد تأثيرها إلى قطاعات اقتصادية أخرى مهمة مثل العقارات والسياحة والطيران، وبعبارة أدق ستعيد رسم خريطة الإعلام الإلكتروني في العالم العربي، وتفرض بحراً من التغييرات في نموذج أداء الأعمال في المنطقة.

وأخيراً وليس آخراً، فإن اختيار دبي مكاناً للإعلان عن هذه الصفقة المهمة، رغم أن شركة «مكتوب» هي بالأساس شركة أردنية، لا يخلو من رسالة مهمة مفادها أن دبي أصبحت حاضنة مشروعات ريادة الأعمال في قطاع التكنولوجيا في العالم العربي، وهذه الحقيقة يشهد بها انضمام أكثر من 80 شركة عالمية متخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات إلى مدينة دبي للإنترنت خلال الأشهر القليلة الماضية.

georgfahim_63@hotmail.com

تويتر