من المجالس

عادل محمد الراشد

في شهر رمضان جرى تقليد رائع في بلادنا، وفي معظم الدول الإسلامية، يتمثل في صدور قرار رسمي يمنع على غير الصائمين المجاهرة بالأكل والشرب في نهار الشهر الكريم. والقرار يهدف، في الأساس، إلى فرض حرمة الشهر واحترام مشاعر الصائمين، وتأكيد خصوصية المجتمع المسلم وحقوق أفراده في رمضان خصوصاً، كما في سائر شهور السنة. هذا التقليد منح الشهر هيبته، وقدّم الصيام كقيمة تضامنية بالإضافة إلى كونها عبادة مفروضة. ولكن لأن الصيام، كما ورد في النصوص الثابتة، لا ينحصر في البطون، وهو غير معني فقط بشهوة الأكل والشرب، ويتعداها إلى شهوات غرائزية أخرى يتركها الصائم نزولاً على أمر خالقه وطمعاً في رضاه، فإن الاكتفاء بإخطار غير الصائمين بعدم الأكل والشرب في نهار رمضان دون التوقف أمام الأمور الأخرى التي تجرح الصيام، وتستفز الصائمين، ولا تجعل لحرمة الشهر ميزاناً ولا قدراً فيه انتقاص لقيمة الصيام ومقاصد شهر رمضان. في مجتمعنا ناس وفدوا من جهات الأرض الأربع، وكثير منهم لا يعرف ما يكفي عن الإسلام وثقافة مجتمع الإمارات وخصوصيته، وربما لم يسمعوا عن رمضان والصيام إلا بعد وصولهم إلى الدولة، وأكثرهم يعتقد أن الصيام يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب كعملية تحد واختبار للقدرات. ولم تصلهم مقاصد الصيام وثقافته، ولذلك فإنهم يتقيدون بأمر الامتناع عن المجاهرة بالأكل والشرب في نهار رمضان، ولكنهم لا يمتنعون عن التعري وخدش مشاعر الصائمين، وربما مواصلة السلوكيات المنكرة في غير رمضان، كما في رمضان، في المراكز التجارية والمرافق السياحية. من هؤلاء من قد يتعمد تجاهل المناسبة، ولكن أحسب أن أكثرهم لو وصلت إليهم توجيهات وتعليمات تضع المظهر والسلوكيات الأخرى في صف الأكل والشرب لالتزم، فأغلب هؤلاء وفدوا من دول يحكمها القانون ويسودها الانضباط إذا كان الأمر يتعلق بأمر يخص المصلحة أو الشعور العام، ولا مجال هنا للاستناد إلى مقولة الحرية الشخصية ما دامت تؤثر سلباً في حرية المجتمع وتنال من قيمه، وإلا فإن ما ينطبق على حرية التعري وحرية الاحتضان وتبادل القبل، قد ينطبق على «حرية» الأكل والشرب... وأحسب أن هذه الأخيرة أقل إساءة إلى حرمة الشهر من تلك.

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر