من المجالس

عادل محمد الراشد

يحط شهر رمضان رحاله الليلة أو «الجابلة». وخرجت وفود «الرؤية» لتستطلع هلال الشهر. وقبلها خفقت قلوب المؤمنين انتظاراً لطلوع الهلال. فريق يترقب الشهر الكريم ليشارك في كرنفال الكرم، ويفوز بوسام التأسي بسيد الأنام، ويسجل اسمه في قائمة الكرام، ونصب الخيام، وإحياء لياليه بالقيام. هذا الفريق يتصيد الفرص، ويبحث عن أهل الحاجة، وإن لم يكن هو من أهل اليسر والنعم الواسعة. فبلوغه رمضان عنده أغلى النعم، وإفطار صائمٍ ولو بشق تمرة في نظره عين اليسر وكمال الاقتدار.

أما الفريق الثاني فهم الفقراء، المستبشرون برحمة الله، هؤلاء يقفون عند باب الكريم، ويتحلقون حول موائده، ويقدمون له حوائجهم بقلوب راضية ونفوس قانعة. هؤلاء يتصيدون عطايا رمضان بتعفّف، ويقبلون هدايا أهل الإيمان دون رجاء، ويُقبلون على موائد الرحمن وألسنتهم تلهج بالدعاء لمن أعطى رمضان حقه.

في بلادنا، وكل بلاد المسلمين التي أنعم الله عليها بالأمن والاستقرار. يكبّل الشح كما تصفّد الشياطين في هذا الشهر الكريم، ويكون الاكتفاء هو حال من دهمته الحاجة في سائر شهور السنة. ولكن العديد من بلاد المسلمين اليوم صارت نهباً للحروب، وضحية للعدوان، إما من ذوي القربى في الداخل، وإما من أهل الجور والعدوان في الخارج. على هؤلاء يدخل رمضان وقد سال المزيد من الدماء، وأزهق المزيد من الأرواح، وأفقر المزيد من الناس، حتى صار البحث عن أسباب وضرورات الحياة هو أغلى أمانيهم.

أهل غزة في فلسطين يستقبلون رمضان في حصار، ودمار، وفاقة، بعد أن دمّر الغزو الصهيوني الهمجي مساكنهم، وجيوبهم فارغة بعدما أفقدتهم المحرقة مصادر رزقهم، بعد أن فقدوا كل ما يملكون. هؤلاء لا ينساهم ربّ رمضان، ولم ينسهم إخوانهم هنا كما في أغلب ديار العرب والإسلام. فقوافل الخير شدّت الرحال، وطرود الغوث بدأت الدخول إلى القطاع. ولكن غزة لاتزال محبوسة، وأهلها ضحايا معسكر الاعتقال الصهيوني، وطفولتها عالقة بين البراءة وخبث «العدالة الدولية»، وأغلب رجالها بلا عمل، وأغلب أمهاتها بلا مأوى.

وهم جميعاً يرجون أن يعيدهم رمضان إلى الذاكرة.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر