هلوسة ملتقيات

زياد العناني

أحياناً تبدو فكرة اعداد الملتقيات النقدية، وكأنها قائمة على توابع كلمة ليست طيبة قيلت ذات نزق أو موضة من الموضات الأدبية التي نتفاجأ بها، وهي تطلق بدوافع باتت معروفة في حمى الاستعراض الأجوف، أوالبحث عن حيز شخصي للمهمل والمنسي وساقط الهمة كأن يقال بلا رفة جفن أو بلا جفن: ماتت القصة القصيرة قبل سنوات أو مات الشعر قبل سنة أوذهبت الفلسفة ضحية في حادث سير مروع أو سقط الكتاب الورقي عن سطح عمارة شاهقة أدت الى وفاته، فاتحة بيت العزاء في منزل ابنه الإلكتروني لمدة ثلاثة أيام متتالية الى أن يغدو الأمر، وكأننا نعيش على أطراف مقبرة لا أساس لها من الصحة ولا حصة لها في الموت ايضاً.

هل ماتت القصة القصيرة فعلاً؟ هل مات الشعر هو الآخر؟ أم أن هواة النعي من النقاد يتلذذون بهذا المد الجثماني الذي صار يتجمهر بتحريض منهم ويطال الأجناس الأدبية متناسين أن حركة التاريخ قد تهمل جنساً كتابياً في دورتها أو تقصيه من غير أن يعني هذا الاهمال أو الاقصاء أن الموت قد حاق بهذا الجنس أو أنه انجز كل مهمته.

مؤتمرات كثيرة تنطق باقتضاب يكاد يكون طبيعياً بالموت وأخرى تطرح الموت بدلاً من الحياة ضمن أفكار جاهزة تتناسل ليس لأنها تحدث فعلاً وليس لأنها ودود ولود، وإنما لأنها تشبه الأماني المريضة عند بعض أصحاب منصات الاثارة التي تطلق ألعابها النارية بهدف جلب الانتباه وإحداث ضجة بناء على نظرة قاصرة يقدمها الناقد، أو يقدمها صاحب دار نشر عن وضع القصة أو وضع الشعر مقابل أوضاع الرواية التي يقول الناشرون إنها الأكثر مبيعاً، بناء على طفرة قد لا تكون مستقرة في خضم النشاط الثقافي المتحول الذي لا يحتمل خللاً بين المؤلف والناشر والمروج ويجب أن تذلل في سبيله كل الصعاب.

كيف يمكن لمن يقال إنهم أصحاب مدونة نقدية أن يسقطوا في هذا المطب ومن الذي يقرر أنه الأمين العام على ذائقة القراء؟ ومن يحق له أن يجزم بأن هذه الذائقة باتت تتجنب قراءة القصة القصيرة لأنها الآن تقرأ رواية طويلة؟

إلا أن ما يستوقف المرء كثيراً في هذا المجال هو ضعف السجال وضعف السائل رغم تعثره بسؤال محير ما انفك يطرح نفسه هنا لكي يقول: لماذا لم يعلن حتى الآن عن موت الهندسة؟ ولماذا لا يموت الطب ايضاً؟

ولماذا لا يتم نعي العلوم الإنسانية؟ ولماذا يتطور العلم ويسير الى الأمام في حين يدهم الناعون كل يوم عقولنا بموت ما هو فلسفي وأدبي وشعري وسردي من غير أن يتوقفوا عند حقيقة أن إعلاناتهم شبه مبوبة ومدفوعة سلفاً.

وأخيراً ألم يحن الوقت الذي يجب فيه أن يصمت الناقد عن الحديث باسم المتلقي وتعين ذائقة وإلى أين تؤشر؟ ربما حان الوقت الذي يجب ان يتبدل فيه صمتنا عن المبشرين بالموت قبل أن تحدث الطامة الكبرى ويعلن الناقد عن موت المتلقي بلا مرض وبضربة واحدة.

zeyad_alanani@yahoo.com

 

تويتر