محرك وحيد للكتابة

أحمد السلامي

لاتزال الكتابة الإبداعية في الثقافة العربية تمثل هاجساً فردياً يتزين بمقولات وتبريرات من ذلك النوع الذي يتمحور حول فكرة البحث عن الخلاص وتطهير الذات، إذ لم يكن نجيب محفوظ -على سبيل المثال- يسابق الزمن باطمئنان وهو يراكم رواياته وقصصه ويتفنن في ابتكار الشخصيات والمواقف. أقصد أنه لم يكن مدفوعاً في إبداعه الغزير بهاجس مماثل لما يراود صاحب أي حرفة أخرى تدر مكاسب مادية وتسور حياة صاحبها بالأمان، وهذه هي الغاية المطلوبة من كل حرفة.

وقبل أن يصبح محفوظ الأديب العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل، الاغلى قيمة والأرفع شهرةً، لم يكن يبدع ويخلص لكتابته في سبيل الحصول على هذا اللقب أو تلك الجائزة، ومن المؤكد أنه ظل موظفاً حكومياً ينتظر راتبه نهاية كل شهر لأنه لم يكن يراهن حتى على تسويق مؤلفاته والاستفادة من ريعها، وهذا هو قدر من يبدع بلغة غير لغة الجغرافيا التي تطبع وتوزع فيها ملايين النسخ من الرواية الواحدة.

الحال ينطبق كذلك على عبدالرحمن منيف والطيب صالح ومحمود درويش وغيرهم من الأدباء العرب الكبار الذين تحققت لهم شهرة غير مسبوقة، إلا أن الشهرة التي يتمتع بها الأديب العربي مهما بلغت فإنها لا تتجاوز عتبة المظهر الاجتماعي ولا تمنح صاحبها ما يعينه على مواجهة متطلبات العيش الكريم والتعامل مع الإبداع بوصفه حرفة.

ما أود قوله هو إن حرفة الكتابة في عالمنا العربي لم تغادر منطقة الشغف الشخصي لتصبح وظيفة، بل إنها لاتزال مجرد هواية لا يحركها سوى الشغف وحده، وهذا المحرك في مهنة كالكتابة لايزال قاسماً مشتركاً بين من يحترفونها كصنعة تحقق المتعة للقارئ وتدر مكاسب للكاتب ومن يمارسونها كهواية، لكن شغف الهواة يظل عاجزاً عن خلق تحولات إبداعية في الأدب. أقصد تحولات من ذلك النوع الذي يجعل النص يجذب المتلقي ويلامس أشواقه، لذلك تجد أغلب الكتاب العرب يتحدثون عن أنهم يكتبون لأنفسهم، وهذا الحديث لا يشي بوجود حالة متقدمة من الوعي باللحظة الإبداعية وعلاقة الكاتب بالمتلقي، بل إنه يشي في وجهه الآخر بغياب عنصر التسويق والتعامل مع الأدب بوصفه منتجاً قابلاً للترويج من دون أن يفقده هذا العنصر القيمة الفنية والجمالية.

وبعيداً عن مكانة الأدب والكتابة الإبداعية في الوعي الجمعي، تبدو الأنشطة المتصلة بالفعل الثقافي في المنطقة العربية شديدة الاتكاء على الدوافع الذاتية، وتظهر معظم المبادرات الثقافية الفردية والجماعية محمولة هي الأخرى على أكتاف الشغف والتضحية وممارسة دور مسرحي جاد في قاعة فارغة من الجمهور.

في سياق غير بعيد عن ما سلف، كنت الأسبوع الماضي أتأمل ثلة من الأصدقاء جمعني بهم العمل على تهيئة إصدار مجلة ثقافية جديدة، وبحثت عن أي شيء آخر يبرر انهماكنا في مهمتنا الصعبة فلم أجد سوى الشغف وحده، ويكاد السعي لتلقي أو نشر المعرفة والفن أن يغدو في مثل هذه الحالة شبيهاً بالمهمات الأخلاقية التي تندرج في خانة العمل الانساني الذي تقوم به منظمات الإغاثة في رقعة منكوبة بمجاعة دائمة.

لا أدري ما إذا كان مثل هذا الوصف يلائم وظيفة مجلة ثقافية أو مؤسسة معتبرة تمنح جوائز سخية لكتب ومؤلفين حازوا شهرة تكفي لترجمة أعمالهم إلى لغات اخرى توصف عادة بانها لغات حية، ومع ذلك لايزالون يمارسون الكتابة من باب الشغف، في مقابل السعي لمخاطبة قارئ عربي نادر، وإن وجد فإن تعاطيه مع الإبداع لايزال مصادفة محكومة بتزجية الوقت.

 

slamy77@gmail.com

تويتر