لا تشتمني يا إسماعيل!

سالم حميد

أجمل تحية من مدينة نيويورك، التي وعلى الرغم من حالة الهلع العالمية بسبب أنفلونزا الخنازير إلا أن المدينة وحركتها الطبيعية وحركة سكانها وزائريها بددت مخاوفي من المرض، رغم اصطحابي معي كمية من الكمامات والأدوية. وكان سبب زيارتي نيويورك هو المشاركة في معرض الكتاب العالمي الذي اختتم أعماله أخيراً، وقبل المعرض أخبرني صديقي الهولندي العجوز إسماعيل أنه سيشارك فيه، فاتفقنا أن نلتقي وأن نخرج سوياً يومياً بعد انتهاء أعمال المعرض على مدى أيامه الأربعة. وفي اليوم الأول من انطلاق المعرض بحثت عن إسماعيل فوجدته، ومن دون أن يشعر لطمته بلطف من الخلف على صلعته الملساء، وقلت له «لاتزال على قيد الحياة أيها العجوز الأشمط».

عندما كنا نخرج معاً في شوارع نيويورك لتناول وجبات الطعام، كنت أتحمل في بعض الأحيان دفع الفاتورة لكلينا، وأحياناً أخرى كان هو من يدفع، وكنا نتشارك في كل شيء يستدعي الدفع نقداً، ونظراً لكبر سن إسماعيل وخطورة مسيره في بعض الأماكن من نيويورك، اقترحتُ عليه أن ندمج محفظتينا في محفظة واحدة فقط لتحوي أموالي مع أمواله كوننا من الأساس نتشارك في الدفع، ثم اقترحت أن تكون المحفظة في حوزتي. استحسن إسماعيل الفكرة وقال إنه سيدرس جدواها ويرد علّي بعد الاطلاع على إيجابياتها وسلبياتها. وفي اليوم التالي جاء إليّ إسماعيل بكل كبرياء وشموخ ليقول لي إنه يوافق الفكرة، فقلت له «ونعم الرأي»، إسماعيل «أعطني أموالك لو سمحت كي أضعها في محفظتي». سألته «عفواً إسماعيل، ماذا تقصد؟»، إسماعيل «أنا من سيحتفظ بأموال كلينا في محفظة واحدة تكون في حوزتي»، أجبته «إني أتحفظ على قرارك هذا»، إسماعيل وبكل عنجهة «هذا هو قراري النهائي ولا رجعة عنه، وعليك القبول به أولاً ثم سأدعك تتفاوض في حيثياته لاحقاً، مفهوم؟»، أجبت «أسلوبك هذا لا يعجبني يا إسماعيل والذي إن دلّ إنما يدل على مدى حبك للهيمنة والسيطرة! أليس كذلك؟ وأرجو أن تدرك يا سيدي أن اقتراحي بالاحتفاظ بالمحفظة لم يأتِ من فراغ إنما بموجب مقومات أتمتع بها، فأنا لي صولات وجولات في عدد كبير من دول العالم، وقمت بتسلق الجبال والغوص في البحار والعيش في الأدغال، وأكثر انفتاحاً على العالم، عكسك تماما، المنغلق على نفسك وفكرك!»، اسماعيل وببلاهة «أنا أكبر منك سناً وأفهم منك»، أجبت «كبر السن وحده لا يكفي يا اسماعيل، فأنا أصغر منك إلا أن إنتاجي أكثر وأميّز، ويزورني القاصي والداني بلا قيود، أما أنت فحدث وبلا حرج! وعلى العموم، هنيئاً وأبارك لك محفظتك وسأبقي أنا على محفظتي».

المشكلة هنا، وبعد تلك الحادثة، في أهل إسماعيل الذين سرعان ما قاموا بتوجيه الشتائم لبلادي عبر المواقع الإخبارية والمنتديات الإلكترونية.

salemhumaid.blog.spot.com

تويتر