لا مفرّ من المقر

جورج فهيم

من الناحية الشكلية البحتة، فإن الإمارات هي الدولة الأحق باستضافة مقر المصرف المركزي الخليجي، وهو آخر مرحلة من مراحل إقامة الوحدة النقدية الخليجية الكاملة، فقد كانت أول من تقدم بطلب ذلك في عام ،2004 في حين أن أقرب منافسيها لم يفكر في ذلك إلا في عام 2008 فقط.

ولكن وبعيداً عن الناحية الشكلية، فإن هناك مجموعة من المعايير الموضوعية التي لا يجب إغفالها عند اختيار الدولة التي يحق لها استضافة مقر المصرف المركزي الخليجي، والتي يجب أن تتمتع بمواصفات خاصة تتيح للمصرف القيام بدوره على أكمل وجه لخدمة مصالح الدول الأعضاء.

وأول هذه المعايير هي أن تكون الدولة المضيفة مركزاً مالياً عالمياً مندمجاً مع الاقتصاد العالمي وحركة أسواق المال والبورصات، وكانت تلك هي القاعدة التي اتبعت عندما تم اختيار مدينة فرانكفورت الألمانية لتكون مقراً للبنك المركزي الأوروبي، على اعتبار أنها عاصمة المال الأولى في أوروبا؛ ومن هذا المنظور فإن الإمارات يجب أن تكون المرشح الأول، خصوصاً أنها تستحوذ على نسبة 50٪ من إجمالي التحويلات المالية الدولية في دول الخليج، كما أنها صاحبة أكبر قطاع مصرفي، سواء من حيث عدد البنوك أو حجم الأصول والودائع.

والأهم من ذلك، فإن الدولة التي يجب أن تكون مقراً للمصرف المركزي الخليجي يجب أن تتمتع بسجل من الممارسات القائمة على استقلالية عمل البنك المركزي لديها بعيداً عن التدخلات السياسية، ليعمل في ظل مناخ من الشفافية وحرية تدفق المعلومات، وهي سمات شهدت بها للإمارات تقارير دولية عدة.

وليس هناك في الأدبيات الخاصة بعمل البنوك المركزية على مستوى العالم ما يشير إلى أن الدولة الأكبر اقتصادياً وسكانياً في أي تكتل إقليمي يجب أن تكون مقراً للبنك المركزي المشترك، وعلى سبيل المثال فإن نيجيريا ـ وهي عضو مع خمس دول أخرى في الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا ـ يتجاوز عدد سكانها 147 مليون نسمة من بين 192 مليون نسمة هم إجمالي تعداد دول الاتحاد، كما أن إجمالي ناتجها القومي يتجاوز 214 مليار دولار من بين إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد، الذي يبلغ 238 مليار دولار، ومع ذلك فإن غانا التي لا يزيد عدد سكانها على 22 مليون، ولا يتجاوز ناتجها المحلي 16 مليار دولار هي الدولة المضيفة للبنك المركزي.

وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن الدول التي يجب أن تكون مقراً للبنك المركزي يجب أن تمنح حق السفر إليها إلى كل الفئات والجنسيات ، فضلاً عن ضرورة كونها مركزاً لحركة الطيران العالمي بحيث يسهل الوصول إليها برحلات يومية منتظمة، وبهذين المعيارين أيضاً فإن الإمارات ـ التي تتعايش فوق أراضيها 120 جنسية مختلفة، وتلعب دوراً رئيساً كونها مركزا دوليا للطيران ـ هي المكان الأنسب لاستضافة المقر، خصوصاً أن بقية الدول الخليجية توجد فوق أراضيها مؤسسات خليجية مشتركة كثيرة، وليس من المقبول أو المعقول ألا يوجد ولو رمز واحد من رموز العمل الخليجي المشترك في أراضي الإمارات، التي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة.

ولكل هذه الأسباب لا مفر من أن تكون الإمارات دولة المقر.

 

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر