«جزيرة السعادة»

جورج فهيم

«جزيرة السعادة» ليس اسم فيلم رومانسي، وإنما هو عنوان التقرير المثير للجدل الذي أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» حول ما تزعم أنه انتهاكات لحقوق العمال المهاجرين في مشروع جزيرة السعديات المقام على مساحة 27 كيلومتراً مربعاً في أبوظبي، الذي من المنتظر أن يكون واحداً من أكبر المشروعات الثقافية والترفيهية في المنطقة.

وفي الواقع، فإن تقارير المنظمة على الرغم من أهميتها الشديدة أصبحت تفتقر إلى أداة صالحة للقياس والمقارنة، ولذلك تأتي أحكامها في كثير من الأحيان غير واقعية ومناقضة للحقائق على الأرض، وأقرب إلى التفكير الطوباوي الذي لا يدرك الفرق بين المباح والمتاح.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول التقرير إن متوسط ما يكسبه العامل في جزيرة السعديات لايزيد على 2500 دولار في العام، في الوقت الذي يصل فيه متوسط دخل الفرد في الإمارات إلى 30 ألف دولار، وكأنه من المفروض على الإمارات أن تدفع لكل عامل 30 ألف دولار بصرف النظر عن إمكاناته ومؤهلاته، وبصرف النظر عن نوع العمل الذي يؤديه، وبصرف النظر عن آليات العرض والطلب التي تحدد أسعار السوق.

وعلى الرغم من أن المنظمة التي قام مندوبون عنها بزيارة العمال في الجزيرة وتحدثوا معهم بكل حرية تقر صراحة بأن العمال حصلوا في بعض الحالات على زيادة في الرواتب، وأنهم يقيمون في مساكن نظيفة وغير مزدحمة، وتتوافر لهم باصات لنقلهم إلى التنزه كل يوم جمعة، إلا أن التقرير الذي أصدرته المنظمة يحفل بألفاظ ضخمة مثيرة لا محل لها من نوع «معسكرات العمل القسري»، وانتهاك آدمية العمال.

هل مطلوب من الإمارات أن تحجز جناحاً رئاسياً في فندق «برج العرب»، وأن تخصص سكرتيرة وسيارة ليموزين بسائق لكل عامل بناء جاء ليحفر باطن الأرض أو ليشق قناة أو ليمد جسراً، وهل هناك مشروع في العالم بأسره تتوافر له وسائل للراحة والترفيهية وهو مازال بعد يستكمل بنيته التحتية!

إن المنظمة تفكر بطريقة مثالية غير موجودة حتى في المدينة الفاضلة عندما تطالب بحق التظاهر لعمال جاءوا بعقد محدد ولغرض محدد، ولم يأتوا في رحلة ترفيهية لممارسة رياضة التظاهر التي لا يسمح لهم بها في بلدانهم الأصلية.

لقد حاولت عبر 80 صفحة كاملة هي عدد صفحات التقرير أن أعثر ولو على مبرر واحد لكي تركز المنظمة على مشروع واحد بعينه وتكسر القاعدة التي طالما سارت عليها لسنوات في تناول أوضاع حقوق الإنسان على مستوى الدولة، لكنني لم أعثر على الشكوى الأساسية التي يرصدها التقرير، وهي أن بعض العمال باعوا منازلهم وأراضيهم وحصلوا على قروض بفوائد عالية حتى يتمكنوا من سداد الرسوم والعمولات الضخمة التي حصلت عليها وكالات العمل التي استقدمتهم، وهذه القضية لا تخص الإمارات من قريب أو بعيد، فهذه الوكالات غير إماراتية ولا توجد على الأراضي الإماراتية، وإنما هي موجودة في البلدان الأصلية التي قدم منها هؤلاء العمال، ومن الظلم الفادح أن يوجه اللوم إلى الإمارات وليس حكومات تلك الدول.

 

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر