بعيدون عن العمل السياسي!

سامي الريامي

صحافية عربية تعمل في مجلة عربية مشهورة، قالت لي: «صحافيو الإمارات متهمون بأنهم بعيدون عن العمل السياسي، ومقصّرون جداً في هذا الجانب»!

ربما يكون السؤال غريباً علينا بعض الشيء، لكنه بالنسبة لها كان أمراً عادياً، وهو بالفعل كذلك، من لا يعيش على أرض الإمارات لن يدرك أبداً خصوصية هذا البلد، وخصوصية شعبه وقادته، وبالتالي لن يدرك طبيعة عمل الصحافة والصحافيين.

نحن في الإمارات لا نواجه مشكلات سياسية حتى تنشط الصحافة السياسية، ولا تحزّب لدينا حتى يبدأ كل حزب بدعم صحيفة معينة لضرب الحزب المنافس، ولا يوجد بيننا معارض للنظام، لأننا جميعاً نحب قيادتنا ونحترم حكوماتنا، ولا نرضى بغيرهم بديلاً، وهذه القناعات تترسّخ فينا يوماً بعد يوم، لأننا في المقابل نرى بشكل يومي كيف تستغل الأنظمة الأخرى شعوبها وتستنزف الخيرات تحت مسمّيات لا حصر لها تبدأ بالديمقراطية ولا تنتهي بها.

الإمارات دولة آمنة مستقرة سياسياً، وهذا الاستقرار السياسي هو أساس النهضة الشاملة التي عمّت أرجاء البلاد كافة، واستطاعت الإمارات بفضلها أن تتبوأ مكانة عالية وعالمية، فهي الآن وبعد أقل من 40 عاماً على قيامها، تحتل المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد عربي، متقدّمة على دول عريقة تمتلك من الإمكانات ما لا تملكه الإمارات، هذه القوة الاقتصادية هي نتاج طبيعي للتماسك والاستقرار السياسي، وهذا التماسك أثمر وجود مجتمع آمن محاط بالرعاية الفائقة جعله في وضعية أفضل بكثير من المجتمعات الأخرى القريبة والبعيدة.

أما دور الصحافة فإنه يأتي في الغالب لتسليط الضوء على المشكلات الاجتماعية التي تظهر هنا وهناك، والتنبيه إلى عدم وصول بعض المرافق والخدمات إلى المستوى الذي يرضى عنه الناس، وإيصال الشكاوى الناجمة عن تقصير بعض المسؤولين في القيام بدورهم بالشكل المطلوب، وغير ذلك من المشكلات التي تعتبر في معظمها خدماتية.

ووجود مشكلات «خدماتية» مرتبط في الغالب بوجود مديرين تنفيذيين «مقصرين»، أو غير «فاعلين» أو غير «متفرغين» لخدمة الناس، بقدر تفرغهم لخدمة «مصالحهم». وجود هذه العيّنات يرفع درجة التذمّر والسلبية عند أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين، فتعلو الصرخات في الإذاعات وعلى صفحات الجرائد، عندها تبدأ الحلول في الظهور بعد تفاقم المشكلة!

نعم هناك أفراد من المجتمع لديهم طاقات سلبية هائلة، وهناك موظفون متذمّرون، وهناك من ينتقد فقط من أجل النقد، وهناك من لا يرى الإيجابيات أبداً، وترى عينه كل سلبية حتى وإن صغرت، ولكن ينصبّ هذا كله على الجانب «الخدماتي» المرتبط بقطاع معين، يديره مدير تنفيذي معين.

ومقابل ذلك فإن هناك نسبة رضا عامة عالية جداً، وثمة قناعة كبيرة، بأن الإمارات هي خير بلدان العالم التي تهتم بمواطنيها وكل من يقيم على أرضها.

أتفق تماماً مع الصحافية العربية التي ترى أن صحافيي الإمارات متهمون بالبعد عن الشأن السياسي، ليس لأننا مقصّرون في ذلك، بل لأننا لا نريد ذلك، ولن ندخل في يوم من الأيام في صحافة سياسية «موجّهة» تعمل لمصلحة أفراد ضد أفراد، وأحزاب ضد أحزاب.

نعم نحن غير مهتمّين بالشأن السياسي، لأنه لا مشكلة سياسية لدينا، هذا مجتمعنا، وهذه خصوصـيتنا التي لا نـرى خيراً منـها بديلاً في جمـيع أنحـاء العـالم.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر