الخوف من الأحياء

زياد العناني

كل كتابة مهما كان نوعها مؤثثة بالمقاصد والنوايا الغاطسة.

كثيرة هي الكتابات التي تميل إلى استذكار الموتى ولا تكف عن استظهار ما بطن من ابداعاتهم وتمكنهم منه وإنجازاتهم المهمة على صعيدي المبنى والمعنى غير أن جل هذه الكتابات ليس بريئاً لجملة من الأسباب منها أن من يكتب في هذا النوع من الكتابات يخرج من مناخ الحسد لأن الموتى ما عادوا ضمن طائلة الحسد بحكم انهم تحت الأرض وليسوا فوقها، ومنها انه سيكون حراً في نسب الأقوال والأفعال والتبجح بعقد صداقة حميمة مع الميت تتيح له ان يكتب من منطقة الأقرب ويتجلى الى حد الذي تنزاح فيه السواتر والستائر وتفتح حتى أبواب الغرف السرية أمام لصوصية عينه التي ارتاحت بخروج الميت حتى من منطقة الفعل ورد الفعل ومنها الهروب من الاعتراف بالحي -وهنا قد يكون مربط الفرس- وتجنب البت في ابداعاته ربما لجرأتها وربما لأنها لم ترق لسلطة ما.. وربما لأن الكاتب المقنع يعيش بذهنية الاستكتاب فيلتجئ الى الهروب من هذا وذاك إلى عالم ليس فيه أي عنت أو ممانعة للغرض الذي يبتغيه.

كل كتابة مهما تدثرت أو تزينت بالموضوعية تحف بها غائية ما.. وعليه لابد أن نسأل: أين هو الكاتب الذي يستطيع أن ينكر وجود مقاصده حتى وإن كانت هذه المقاصد تهجس في جزء منها الى تقديم مقترح جمالي يحفر لنفسه رسماً في صخور هذا الكون بكل جدارة واقتدار؟ وأين نحن من كاتب يتلطى من الشمس تحت مظلة ولا يأخذ شأوه إلا من كتابة «الاستدعايات» وطباعة الأوراق المصورة.

ثمة كتاب يعيشون الآن في ملجأ الماضي وعلى «قفاه» وحين نسأل عن اطلالتهم على الجديد أو الجميل تقفز في الذهن عبارة الشاعر العراقي حسين مرادن: «إن الجمال لا يجذبني فقط بل يدفع بي الى الصرع» ونراهم غرقى في لعنة التكرار حتى إنهم يكتبون عن الراحل أو المتوفى أو الشهيد نفسه خمس مرات أو ست مرات مكررين العبارات ذاتها.

لا نريد هنا أن نحسد الموتى من المبدعين بقدر ما نريد أن نفتح دائرة مغلقة على الجديد ومحتواه. دائرة سمجة تشكلت لكي يلعب النسيان في جنباتها لمجرد أن كاتباً أو ناقداً يعجز عن اختبار نفسه وأدواته في تلمس أي مقترح جديد ليس له متعلقات نقدية متكونة وموجودة في الكتب وفي المواقع الإلكترونية يمكن ان يستفيد منها إذا راح الى التلاص أو التناص لينسج سجادة نقدية بلا جهد وبلا تعب وبلا رأي يتقدم به لهذا النص الطازج أو المغلق عليه من كل الجهات.

ليس عيباً أن يلتصق ناقد بماضيه ولكن العيب كله يكمن في ناقد يغلق عينيه عن الحاضر وبطولته في الاجتراح والاقتراح ولا يرى في رأسه إلا ما تُهيئه النفس الأمارة بعدم الاقتحام والتوغل الإبداعي في النص سواء كان هذا النص يعود إلى ميت لم تبرد تربته أو إلى حي قدر له أن يكتب ويعيش في حرارة الإبداع حتى يغادر الحياة إلى ترابه ايضاً.

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر