النموذجان الأميركي والآسيوي!

سامي الريامي

تدور رحى حرب نقاشية شديدة بين أقطاب الإعلام في الوطن العربي بشكل عام، وتحت طاولة النقاش في معظم المؤسسات الإعلامية المحلية، مسببات هذا الجدل هي مستقبل الصحف في هذا الجزء من العالم، وكيف يمكن أن تحافظ على صدورها وبقائها بعد الأزمات الشديدة التي تعرضت لها كبريات الصحف الأميركية في أثناء الأزمة المالية العالمية.

الفريق الأول يراهن على عالم الـ«ديجيتال»، ويرى أنه سيقضي بشكل كامل على الصحف الورقية، فيما يرى الفريق الثاني أن هذا ليس ممكناً، على أقل تقدير في الوقت الراهن، مع إمكانية حدوثه بشكل أو بآخر بعد فترة لا تقل عن 30 إلى 50 عاماً في الوطن العربي.

كلا الفريقين يمتلك معلومة صحيحة، ويحاول البناء عليها، لكن الغريب في الأمر هو تشدد الفريق الأول في محاولة فرض أي تغيير يطرأ في الولايات المتحدة على العالم العربي، ويتضح ذلك من خلال المقارنات شبه المستمرة بين وضعية الصحف، والتأثر بالأزمة المالية، دون أن يقتنع هؤلاء بضرورة الأخذ في الاعتبار الاختلاف الشديد بين طبيعة المجتمع الأميركي ومجتمعاتنا العربية.

صحيح أن هناك انهياراً واضحاً في كبريات الصحف الأميركية، من جراء الأزمة المالية العالمية، لكن هذا ما لم يحدث في أي من الوطن العربي، ليس لأننا لم نعانِ من الأزمة، لكن لأن تأثيرها فينا كان أقل ضرراً، وهل يعني انهيار شركة «جنرال موتورز» الأميركية أن تنهار صناعة السيارات في العالم؟ أو إعلان أكثر من بنك أميركي إفلاسه يعني انهيار النظام المالي العالمي وإفلاس جميع بنوك العالم؟

المقارنات مع الولايات المتحدة يجب ألا تقودنا إلى رسم صورة سوداوية لمجتمعاتنا لمجرد ارتباطنا بشكل أو بآخر بالاقتصاد الأميركي. نحن كوطن عربي، لنا خصوصيتنا وصفاتنا، وظروفنا التي تختلف تماماً مع ظروف الصناعة الأميركية، فلا يعني أبداً اختفاء جريدة أميركية أن صحف العرب كلها مهددة بالاختفاء! ومع ذلك أتفق تماماً مع الفريق الأول على ضرورة البحث عن وسائل جديدة للوصول إلى شريحة القراء الجدد من الجيل المقبل، والذين يدمنون «الإنترنت» ووسائل الاتصال الحديثة، وبالتالي فإن على الصحف والمؤسسات الإعلامية المحلية أن تبدأ في تركيز الاستثمار المستقبلي على تطوير الـ«ديجيتال» بشكل أكبر، لكن وفق خطوات وضوابط مدروسة، من دون التسرع الذي قد يفقدها أموالها ومصدر دخلها الكبير المتمثل في صناعة الإعلان والطباعة والنشر.

الأستاذ عبدالحميد أحمد، الذي أثبت بالأمس أنه بالفعل أستاذ متمكن من مهنته، وعلى درجة كبيرة من الثقافة والاطلاع، من خلال حديثه في المنتدى الإعلامي العربي، حيث كان الأبرز من بين المتحدثين الذين شاركوه، أبدى اندهاشه من انسياق الجميع وراء النموذج الأميركي، الذي يفقد بشكل متواتر صحفاً عريقة، للتدليل على قرب موت الصحافة العربية، وتجاهل النموذج الآسيوي الذي يشهد ازدهاراً في سوق الإعلان والاشتراك ونمو الصحف الورقية!

 

reyami@emaratalyoum.com

 

تويتر