الخبير و«بيوت الخبرة»

سامي الريامي

تحديد ماهية «الخبير» هو واحد من أهم الأولويات الإدارية التي تتطلبها المرحلة الحالية، والتجربة السابقة علمتنا أن هناك فرقاً كبيراً بين «الخبيل» و«الخبير»، وللأسف الشديد فإن معظم الذين تواتروا للعمل في كثير من الوزارات والدوائر والشركات الكبيرة، كانوا أقرب إلى الأولى منهم إلى الثانية!

فالوقت الحالي هو الأنسب لإعادة النظر في هذه «العقدة» التي تلبستنا لأكثر من 30 عاماً، هي بالفعل عقدة حقيقية سيطرت على العقول، وتوهم من خلالها الكثيرون بأن صاحب «الكندورة والغترة» لا يستطيع، مهما علت درجاته العلمية، أن يفهم بحجم معرفة وفهم صاحب الشعر الأشقر والبدلة الداكنة، فهؤلاء يحملون «جينات» الذكاء والعبقرية، حتى وإن لم يتعدَ الواحد منهم حاجز العشرين من عمره، وحتى إن كان لا يحمل مؤهلاً تعليمياً، أو كان يعمل حارس أمن أو«جرسوناً» في بلده الأم، كل ذلك لا يهم، فالمسألة مرتبطة بالدم ولون العينين، وتؤكدها الهيئة العامة ولون البدلة والشنطة السوداء الصغيرة!

واقع موجود لا يمكن إنكاره، ليست مبالغات، ولا تضخيماً أو تهويلاً، فالأمثلة على «خبراء الوهم» كثيرة، ومن النادر أن نجد مؤسسة أو دائرة أو وزارة أو حتى شركة لم يمر عليها خبير أو أكثر، ومن المستحيل أن نجد مديراً أو مسؤولاً أو صاحب عمل لم ينخدع يوماً بشخص بسبب شكله ولون عينيه، قبل أن يكتشف خطأ اختياره!

لابد لنا اليوم أن نستفيد من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي استطاعت أن تكشف أقنعة الخبراء، فمعظمهم تحولوا إلى ضحايا، فهم أول من سقط، وهم أول من أنهيت خدماتهم في كثير من دول العالم، وعلينا اليوم أن نعيد تقويمهم، ونتساءل بجد عن الدور الحقيقي لكل منهم في عمليات التطوير والتنمية، عندها سنكتشف أن العمل سيسير من دونهم بطريقة أفضل وأسرع.

والخطأ ليس في الاستعانة بالخبراء، فلا أحد ينكر أهمية وجودهم في مواقع العمل المختلفة «أحياناً»، لكن الخطأ الأكبر يكمن في كيفية اختيار هؤلاء الخبراء، والكارثة تكمن في عدم وجود المعايير المهنية الحقيقية التي تؤهل الأشخاص لاستحقاق هذا اللقب، ما أدى إلى انتشار المهنة، وتحول وجود «الخبير» إلى ضرورة «شكلية» لتجميل صورة الهيكل الإداري للمؤسسة أو الدائرة أو الوزارة.

آن الأوان اليوم لإنهاء هذه الصور النمطية التي أهدرت أموالنا، وأحبطت كثيراً من كفاءاتنا وكوادرنا الوطنية، وحان الوقت لتقييد لقب «خبير» أو«مستشار» بالمعايير العالمية، والتي يعكف مركز أبوظبي العالمي للتميز على وضعها، بعد الاطلاع على تجارب دول كبرى تُعدّ المنبع الأول لتصدير الخبراء، وإن استطعنا تعريف الخبير بمواصفات ومعايير هذه الدول، سيصبح من السهل علينا «فلترة» الخبراء الموجودين، والإبقاء على الصالح منهم، ثم الاستغناء عن كثير من خبراء «البطيخ» المنتشرين بيننا بكثرة!

خطوة أولى مهمة للغاية، يجب أن تتبعها خطوة أخرى لا تقل أهمية، وهي «بيوت الخبرة»، فهي وسيلة أخرى لهدر المال بشكل أكثر حرفية من «الخبير الفرد»، وتحظى أيضاً بقبول وقناعة لدى كثير من المسؤولين، على الرغم من أنها في الغالب لا تقدم شيئاً يذكر!

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر