النفي لا ينفي الحقيقة!!
لا تستغربوا إطلاقاً لو أطلّ علينا مسؤول رياضي ينفي خسارة منتخب الإمارات أمام المنتخب السعودي، كما لا تستغربوا لو نفى مسؤول آخر، حدوث أزمة مالية عالمية في أي بقعة من الكرة الأرضية، وسنصدّق بالتأكيد نفي مسؤول ثالث وجود أي نوع من الأمراض في الدولة، فالأمراض لا يمكن أن تعرف طريقها لأي شخص هنا.
وكذلك الحال دائماً، لا تظلموا أنفسكم والمسؤولين، وتصدّقوا المغرضين، الذين يروّجون لإمكانية وجود مواد ملوّثة، أو مدّ أحمر، أو طعام فاسد، أو باعة «سمبوسة» جائلين في الفرجان، أو وجود إجراءات إدارية عقيمة في بعض المستشفيات!
ظاهرة «النفي» التي أعتقد أنها تعدّ مثل غيرها «دخيلة على المجتمع»، تحولت إلى مسلسل مملّ للغاية، فضلاً عن أنها أصبحت وسيلة تقليدية بائسة، للتواري والهروب من الواقع، وإخفاء العيوب، والتهرّب من المسؤولية، ولعل كثيراً من المسؤولين يجهلون إلى الآن انتشار الثقافة والاطّلاع بين أفراد المجتمع، والذين وصلوا إلى قناعة ويقين بأن نفي أي مسؤول ما هو إلا إثبات للحقيقة!
ربما لا يعرف البعض أن النفي لا يغير الحقيقة، وعلى الرغم من إمكانية استمرارية مسؤول ما في منصبه لفترة زمنية إضافية، بسبب المسارعة في نفي كل خطأ ينكشف، إلا أن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها، وستظهر بشكل واضح في مرحلة لاحقة، لأنها تبقى حقيقة، أقرّ بها من أقر، ونفاها من نفى!
متى سيدرك البعض، أن الزمن قد تغير، والمجتمع اليوم ليس كمجتمع الستينات والسبعينات، ولا حتى التسعينات، نحن في زمن الثورة المعلوماتية، وعصر التواصل والاتصال، وفوق هذا كله، نعيش في مجتمع صغير نسبياً، ما يجعل من الصعوبة بمكان، إخفاء الحقائق، فهي وإن لم تظهر على صفحات الجرائد، فإنها ستظهر وتنتشر حتماً، بمئات الطرق الأخرى، عندها لن يفيد النفي، ولن ينفع التكتيم!
نحن بدورنا، سنظل نعمل، ونظل ننشر، ولا يهم من نفى، فالحقيقة أصعب بكثير من مسحها بجرّة قلم، كما لن نسعى إلى نفي أي «نفي» لخبر تم نشره، لن نتّبع الأسلوب ذاته، لأننا لا نؤمن به، إنما سنواصل التزامنا بإيصال صوت المجتمع، حتى وإن كان هناك من لا يريد ذلك!
المسألة قد تحولت إلى «موضة» يتبعها عدد كبير من المسؤولين، مدعومين وللأسف من بعض أبناء المهنة البعيدين عن أساسيتها القائمة على الاحترام المتبادل، ففي الأعراف الصحافية الأصيلة، لا يجوز أبداً نشر خبر نفي إلا في الصحيفة التي نشرت الخبر الأساس، وهذا ما لا يفعله أولئك الذين يعتقدون أن «نفي» مسؤول قد يضرب مصداقية صحيفة، أويحدّ من انتشارها، فهذا لا يقلل من شأنها إطلاقاً، بل هو دليل على تأثير الخبر، وقوة ردّ الفعل، التي تحصر ذلك المسؤول في زاوية «النفي»، للحفاظ على مكانه وكرسيّه!
أحد الزملاء الإعلاميين سئم ذات مرة من القراءة فقرر أن يرفّه عن نفسه قليلاً، أتدرون ما فعل؟ قرر البحث في «غوغل» عن أخبار النفي المنشورة طوال السنة الماضية على لسان مختلف الجهات في الدولة، والنتيجة كانت، أننا لا نعاني من أي شيء وللّه الحمد، فالبلد خالٍ من كل ما يعاني منه العالم أجمع!