عقدة دبي

جورج فهيم

علم النفس مليء بأنواع شتى من العقد النفسية المستعصية بدءاً من عقدة «أوديب» ومروراً بعقدة «الكترا» وانتهاءً بعقدة «ديانا»، لكن الأزمة الاقتصادية العالمية كشفت عن عقدة جديدة لم يعرفها علم النفس من قبل أسماها «عقدة دبي».

ويعاني المصابون بعقدة دبي من رغبة دفينة في صب جام غضبهم على الإمارة، والسعي لتشويه إنجازاتها والتشكيك في مكانتها، لا لشيء إلا لأنها تذكرهم بصغر حجمهم وضآلة عقولهم وضحالة فكرهم وهشاشة أوضاعهم.

ومن العجيب أن هذه العقدة المستعصية تصيب أفراداً من الشرق كما تصيب أفراداً من الغرب، وتضم أناساً يكتبون لغتهم من اليمين إلى اليسار، وآخرين يكتبون من اليسار إلى اليمين، ولا شيء يجمع بينهم سوى رغبتهم في توجيه سهامهم المسمومة إلى دبي للنيل منها، مرة بالكذب والتشويه، ومرة بالتهويل والافتراء، ومرات بالتلفيق واختراع قصص وروايات مجهولة المصدر عديمة المصداقية تصور دبي على أنها تحولت إلى مدينة أشباح، لا أثر فيها لزحام المرور بعد أن هجرها الناس أفراداً وجماعات.

إحدى الصحف نشرت منذ فترة وجيزة تحقيقاً مطولاً عن فنادق دبي، قالت فيه إن نسب الإشغال هبطت إلى أقل من 20٪، وإن قطاع الضيافة يلفظ أنفاسه الأخيرة، رغم أن مسؤولاً واحداً في هذا القطاع الحيوي لا يقر بهذا الرقم المجحف، الذي يجعل من الأوفر للفنادق أن تطفئ أنوارها وأن تغلق أبوابها.

وقبل أن ينقشع غبار هذه الأكذوبة خرجت علينا صحيفة أخرى هذه المرة من بلاد العم سام لتقول إن واحة الإعلام في دبي تحولت إلى صحراء، بعد أن جفت ينابيعها، وبعد أن هجرها أصحاب الأقلام، من دون أن تذكر الصحيفة اسم وسيلة إعلام دولية أو محلية واحدة أغلقت أبوابها وحزمت حقائبها ورحلت، ومن دون أن تقول لنا الصحيفة ما هو اسم المكان على الكرة الأرضية الذي يوفر لوسائل الإعلام ما توفره دبي لوسائل الإعلام من تسهيلات.

وقبل أن تتلاشى هذه «الأرجوفة» خرجت علينا صحيفة ثالثة لتقول إن 50٪ من حجوزات شركات الطيران في دبي ذهاب من دون عودة، دون أن تشير من قريب أو بعيد إلى مصدر هذه الإحصائية العجيبة، ومن دون أن تفسر لنا كيف تصادف أن تكون كل حجوزات شركات الطيران عند المستوى نفسه، وكأن هناك قوى خفية وزعت على شركات الطيران تعميماً للالتزام بهذه الحصة، وكان بإمكان هذه الصحيفة التي كتبت هذا الكلام أن تتأكد ببساطة أن أغلب رحلات العودة لديها محجوزة بالكامل حتى شهر أغسطس.

هذه فقط مجرد عينة صغيرة من «الترهات» و«الانتكاسات» التي تكتبها بعض الصحف، والتي من بينها للأسف الشديد عدد غير قليل من الصحف العربية، ويخطئ من يظن أن توفير البيانات والمعلومات والأرقام والإحصاءات أمام هذه الفئة من وسائل الإعلام سيجدي نفعاً، لأن المشكلة ليست في نقص المعلومات أو عدم معرفة الحقائق، وإنما المشكلة في الرغبة في الحسد والإحساس بالنقص، والشفاء من هذه الأوبئة لا يتحقق بالأرقام والإحصاءات، وإنما بتطهير الضمائر وتنقية النيات وتقويم الأفكار، وإدراك أن مركب التنمية يتسع للجميع، وأن التطاول على الكبار لن يعوض قصر قامتهم ولو بوصة واحدة.

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر