خريف الغضب

جورج فهيم

طالعتنا وسائل الإعلام العالمية الأسبوع الماضي بنبأ انقضاض أكثر من 300 عامل غاضب بسبب تسريحهم من الخدمة على مدير فرع شركة «سوني» في فرنسا، سيرج فيشور، واحتجازه كرهينة، بعد أن سدوا مداخل الشركة ومخارجها بشاحناتهم، مطالبين بالحصول على تسويات مشرفة ومستحقات عادلة.

وكان فيشور أسعد حالاً كثيراً من مدير شركة «غرازيانو» الإيطالية لتصنيع قطع غيار السيارات في الهند، لاليت كيشوار، الذي قام آلاف العمال المحبطين بضربه بقضبان حديدية حتى الموت احتجاجاً على تسريحهم من العمل من دون إعطائهم كامل حقوقهم.

وما حدث في فرنسا والهند ومناطق أخرى من العالم ليس إلا شذرات من صراع محتدم تتجمع نذره في الأفق بين ملايين العمال الذين تم الاستغناء عن خدماتهم في مختلف أنحاء العالم من دون إعطائهم حقوقهم، وبين آلاف الشركات التي تريد الخروج من أزمة الركود على أكتاف العمال، وترى أن عدم دفع المستحقات وإلغاء التعويضات أسهل من زيادة المبيعات، وأيسر من زيادة الكفاءة.

وفي الواقع، فإن الطبقة العاملة من أشد الطبقات تضرراً بالأزمة المالية العالمية، التي لم تمحُ فقط إنجازات عقد كامل من الثروة والتنمية والمدخرات ومحاربة الفقر والمرض، وإنما جرفت في طريقها حقوقاً أساسية انتزعها العمال بالعرق والمعاناة، وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، فإن الأزمة أضافت 51 مليون عامل إلى طابور العاطلين عن العمل، كما أضافت 40 مليوناً إلى قائمة العمال الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً، ورفعت عدد العمال الذين يعيشون على أقل من دولارين يومياً بمقدار 100 مليون شخص.

وللأسف الشديد، فإن بعض الشركات تتفنن في «قصقصة» حقوق العمال وابتلاع مستحقاتهم وحرمانهم حتى من مجرد الحق في الشكوى والتظلم، فمن التسريح من العمل إلى الإجبار على الحصول على إجازات غير مدفوعة، ومن التوظيف بالعمولة بدلاً من الراتب إلى عدم التقيد بالحد الأدنى للأجور، ومن إلغاء الحق في العلاج إلى إلغاء مكافآت نهاية الخدمة.

يحدث ذلك في الوقت الذي يحصل فيه كبار مديري الشركات على ملايين الدولارات من الحوافز والمكافآت تقديراً لجهدهم في تحقيق خسائر فلكية، وبينما تستكثر الشركات على موظفيها الحصول على بطاقات للتأمين الصحي، لا تجد غضاضة في دفع فواتير تصفيف الشعر والعناية بالأظافر وجلسات التدليك لكبار المديرين، ومن مفارقات القدر أن من يفعلون ذلك اليوم هم أنفسهم من صدعوا رؤوسنا بالأمس بالحديث عن الاستثمار في العنصر البشري باعتباره استثماراً في المستقبل واثمن أصول الشركات.

وللأسف الشديد، فإن بعض الشركات تتصور أن الأزمة المالية العالمية صك يعطيها الحق لأن تفعل ما تشاء من دون أن تخشى من سلطة القوانين ومحاسبة الحكومات، لأنها ـ على حد زعمها ـ لابد أن تتفهم وتعذر وتلتمس التبريرات.

ومن المؤكد أن التزام الحكومات والشركات بالحقوق العمالية ليس مجرد مسألة أخلاقية فقط، وإنما هي مكون أساسي من مكونات أي استراتيجية ناجحة للخروج من الركود، لأن حماية الحقوق العمالية يرتبط مباشرة بزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد وتوفير قاعدة صلبة للنمو، وتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي وقيمة العملات الوطنية، وزيادة الإنتاجية وعدالة توزيع الثروة.

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر