فخ العولمة وعولمة الفخ
لا يُخفى الآن على أحد، أن الأزمة الاقتصادية العالمية، والكساد العالمي، ليسا سوى نتيجة أولى لإطلاق الـ«سوبر مال» من عنق زجاجة رأس المال.
كيف يروي الكتاب الألماني الأول الحكاية عن «فخ العولمة/1996» ترجمة د.عدنان عباس علي، وإصدار عالم المعرفة؟
في نهاية سبتمبر 1995 اجتمعت هيئة خبراء عالمية في فندق «فيرمونت» في سان فرانسيسكو. وكانت مهمتها تبيان معالم الطريق المؤدية إلى حضارة القرن الواحد والعشرين الجديدة: قال البرغماتيون إن 20٪ من العاملين ستكفي في القرن الــ،21 للحفاظ على نشاط الاقتصاد الدولي، و5٪ من قوة العمل، ستكفي لإنتاج جميع السلع، التي تسد حاجات المجتمع العالمي. وسيواجه، طبعاً، الباقون 80٪ من العاطلين مشكلات عظيمة.
يختزل الاقتصاديون والسياسيون الظاهرة إلى كلمة واحدة: «العولمة» التي تحوّل العالم، بفضل تكنولوجيا الاتصالات العالمية وانخفاض تكاليف النقل وحرية التجارة الدولية، إلى التنافس الشامل في سوق واحدة: في سوق السلع وسوق العمل.
مع انهيار دكتاتورية البروليتاريا جرى العمل على قدم وساق لتشييد دكتاتورية السوق العالمية. وأصبحت دكتاتورية رأس المال أممية، تقتلع أنظمة الرفاهية الاجتماعية، وتجبر الحكومات الإقليمية، على تقديم تنازلات ضريبية عالية، عن طريق عولمة رأس المال وهروبه. ففي حين أخذت أسعار الأسهم وارباح المؤسسات ترتفع بنسب تبلغ 10٪ وأكثر، انخفضت أجور العاملين والمستخدمين وتفاقمت البطالة في الوقت نفسه، بشكل مواز للعجز في الموازنات الحكومية. ويبدو أن نبوءة كارل ماركس، قد تحققت بعد مرور أكثر من 100 سنة على وفاته، فإن الإنتاج الرأسمالي أخذ يميل، بشكل صاعق، إلى خفض مستوى الأجور إلى أدنى حد. في ألمانيا كان هناك في عام 1996 أكثر من ستة ملايين، لا يجدون فرصة دائمة للعمل. وكان متوقع أن تلغى في الصناعة 1000 فرصة عمل سنوياً، وأن تصل البطالة في عام 1997 إلى 8٪: أي ضعف ما كانت عليه في عام .1994
إن منظري العولمة يُشبّهون ما يحدث في الاقتصاد، بما يحدث في قوانين الطبيعة، لكن التشابكات الاقتصادية العالمية ليست نتيجة حتمية، بل هي نتيجة سياسية واعية، فالحكومات والبرلمانات هي التي وقعت الاتفاقات وسنت قوانين إلغاء الحدود، التي تحد من تنقل رؤوس الأموال والسلع بين الدول.
يعلن مؤلفا «فخ العولمة» نبوءة نشهدها الآن: إن العولمة، التي بدا انتصارها حتمياً، أخذت، في الوقت نفسه، تسير في طريق هدّ أساس المجتمع المتماسك، الذي قامت عليه، فالتغيير وإعادة توزيع الثروة، يقضيان على الفئات الاجتماعية القديمة بشكل سريع، ولا يتركان فرصة للمجتمع، لكي يتطور بشكل مواز لها.
كما لو أن الحرب الأهلية على الأبواب، فالجريمة انتشرت حتى في الموطن الأصلي للثورة الرأسمالية المضادة: في ولاية كاليفورنيا، التي تحتل المرتبة السابعة في الاقتصاد العالمي، يفوق المال، الذي ينفق على السجون، مجموع ميزانية التعليم الكلي. وهناك 28 مليون أميركي، أي عُشر السكان، يحصنوا أنفسهم في أبنية وإحياء سكنية محروسة، وينفقوا على حراسهم المسلحين، ضعف ما تنفقه الدولة على الشرطة.