العنف والمقاومة

ياسر الأحمد

ليس العنف سلوكاً شاذاً في مقاييس الإنسان كما قد يدعي بعضهم، بل هو سلوكٌ طبيعي ويمارسه الإنسان في كل حالاته، وبكل أشكاله المختلفة، وبمسوغاته التي يخترعها ليبرر عنفه والإنسان في هذا الاعتبار كائن عدواني.

وصف القرن الماضي بقرن العنف نتيجة للحروب الكبيرة والقتلى والثورات التي حدثت فيه، والحقيقة أن التقدم التكنولوجي الكبير أسهم في زيادة فعالية أدوات العنف، وأسهم في تناقضٍ مع أفكار التنوير بالتقليل من إحساس الإنسان بالذنب.

يبرر الإنسان لنفسه العنف بالقول إن مزيداً من العنف هو خير قوة ردع وخير حافظ للسلام، وهو تبرير إسرائيلي مستمر، ترعاه عقيدة عنصرية تجعل من العرب حقلاً لتجارب العسكريين، ومبرراً لزيادة موازناتهم.

لكن في العنف جوانب غامضة تستدعي محاولات الشرح والتفسير، فهل يريد الإنسان وهو يمارس عنفه أن يشعر بأكثر من إنسانيته؟ وهل يشعر باللذة وهو يحول الآخرين لأدوات تطيع رغباته، حتى وهم لا يتفقون معه في الرأي؟

هل العنف بالنتيجة متعة عند معتنقيه تبرر لهم جعله رمزاً لقوتهم ونفوذهم؟ هل هو شكل من أشكال السلطة؟ أم أنه لا يظهر إلا في حال ضعف السلطة وعجزها عن فرض حضورها، فتلجأ للعنف لتغطي ضعفها؟

يرى علماء أن الإنسان اخترع العنف ليقلد الطبيعة، وليتخلص من حالات انحصاره الطبيعية، فاخترع المدفع والطائرة والقذيفة ليخرج من حالته الفيزيائية المقيدة إلى حالة أكثر تحرراً أو ربما انفلاتاً.

لكن العنف والحروب لا تمر على الطرف المتضرر مرور الكرام، بل هي تستدعي مقاومته ورغبته في تأكيد وجوده، وصده للعدوان عليه، وهنا يحضر الأدب كنشاط متوقع مع كل فعالية إنسانية. فمن يكتب عن الحب سيكتب عن الحرب.

يجسد أدب المقاومة الوعي بالذات وبالهوية وبحضور الأمة وهي تصدّ العدوان، ويشكل هذا الجنس الأدبي طريقة من طرق التحفيز القتالية، فعندما بدأت الحملات الصليبية، استولدت معها القصائد ضدها.

وأدب المقاومة هو ابن الثورات أيضاً، فالثورة الروسية جاءت بمايكوفسكي ليعبر عن حلم الثورة ولينتحر بعد سقوط حلمه.

والحروب العربية مع إسرائيل أنتجت أدباً مقاوماً رفيعاً، عبر عن الموت والرغبة في الحياة معاً، فتجربة الحرب تجربة غنية وإن كانت غير ضرورية.

لكن المقاومة ليست ردة فعل على حرب أو احتلال فقط، بل تتجسد في صور أخرى وكردة فعل على قسر من نوع آخر. كالقسر السياسي، أو القسر الاقتصادي، أو الاجتماعي، وأدب المقامة هنا يتجه نحو السخرية، والنقد لتفاصيل الحياة أكثر مما يفكر في تحمية الجو.

لكن وأمام الصور المنهمرة والفضائيات المباشرة للحرب والحب، ماذا يبقى من قدرة الأدب على التوصيل والتواصل،وماذا تستطيع الكلمات أمام الطلقات؟

ytah76@hotmail.com

تويتر