سقوط دولة المديرين!

جورج فهيم

التشريع الجديد الذي يدرسه الكونغرس الأميركي لإجبار الشركات المفلسة التي تتلقى دعماً حكومياً على رد ملايين الدولارات من الحوافز والمكافآت التي صرفها كبار مديري الشركات، وذلك على الرغم من الخسائر الفادحة التي منيت بها شركاتهم، يؤذن بسقوط دولة المديرين ونهاية حقبة «اللاشرعية في سلوكيات الشركات» وتصحيح الخلل في العلاقة بين الشركات والحكومات.

ورغم الظلام الذي تلف به الأزمة الاقتصادية العالمية أرجاء المعمورة، إلا أنها سلطت الضوء على بؤر الفساد ومواطن العبث في عالم الأعمال الخفي، التي استشرت بفضل جهود وخدمات جيوش مرتزقة تضم خبراء ضرائب ومحاسبين ومراجعين ومحامين ممن يزيّنون الباطل ويسهّلون الاعتداء على حرمة المال العام.

وفي الواقع، فإن ميزان القوى بين الحكومات والشركات كان قد اختل لصالح الشركات بشدة خلال العقود الثلاثة الماضية، التي تحولت فيها الحكومات إلى موظف لدى الشركات مهمتها إصدار التشريعات التي تحقق مصالحها، حتى ولو كان ذلك على حساب الصالح العام، بل أصبحت الشركات قادرة بفضل طفرة نفوذها على زرع وقلع حكومات وتحريك سياسيين مثل قطعة شطرنج، وتعطيل إصدار تشريعات وقوانين لا تعجبها، والتشهير بأي مسؤول يجرؤ على انتقادها أو معارضة مصالحها.

وفي مواجهة ديكتاتورية الشركات، كانت الحكومات التي تلهث وراء الدعم المالي في مواسم الانتخابات تغض البصر وتدير ظهرها للكثير من المخالفات التي ترتكب في حق المال العام، والتي يدفع ثمنها في النهاية صغار المستثمرين ودافعو الضرائب وحملة الأسهم وحملة الهموم من المواطنين العاديين، ممن وجدوا أنفسهم ـ فجأة ومن دون أي مقدمات ـ بلا وظيفة، وبلا دخل، وبلا مأوى، ومن دون مستقبل أو أمل، في الوقت الذي يصرف فيه مديرو كبرى الشركات مكافآت وحوافز بالملايين رغم الخسائر الفادحة التي حققوها والفشل المزمن الذي جلبوه على شركاتهم.

وفي بعض الأحيان كانت ملايين الحوافز والمكافآت التي تستفز مشاعر الرأي العام تدخل في باب النوادر والمفارقات، فعلى سبيل المثال، حصل رئيس مجموعة فنادق «ستاروود» العالمية خلال عام 2006 على مبلغ 1.5 مليون دولار علاوة على راتبه من أجل السفر بالطائرة يومياً من مكتبه في نيويورك إلى منزله في كاليفورنيا حتى يكون بجوار ابنه الذي يخوض غمار امتحانات الثانوية العامة، وكان البعض الآخر أكثر تواضعاً ولم يحصل سوى على بضعة آلاف من الدولارات لجلسات التدليك وتصفيف الشعر والعناية بالأظافر، بل إن أحدهم كان يحمل شركته مصاريف إقامة كلبه في فندق خمس نجوم خلال سفرياته العديدة.

وفي الحقيقة، فإن التحول الجذري في ميزان العلاقة بين الشركات والحكومات لم يكن ليحدث لولا أن الأخيرة بدأت تشعر أن النفوذ الذي تتمتع به الشركات أضحى أكبر مما تحتاج، وأخطر مما يمكن القبول به، وإن الأرضية التي فقدتها الحكومات في علاقتها مع الشركات تضعها في صدام مباشر مع المواطنين الذين يشعرون أن الحكومات تحابي الشركات على حسابهم وتغض البصر عن مخالفاتهم.

وما حدث في أميركا سينتقل إلى أوروبا ومناطق أخرى من العالم، لأن عولمة الأزمة تفرض عولمة الحل الذي يجب أن يكون في مقدمة مفرداته أن الإدارة بالأهداف، وأن «المال السايب يعلّم السرقة».

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر