الرؤية المزدوجة

قيس الزبيدي

أندريه فايدا واحد من أهم المخرجين الأوروبيين، أخرج مجموعة كبيرة من الأفلام، منها ما أصبح من كلاسيكيات السينما العالمية: قنال ورماد وجواهر وكل شيء للبيع والأرض الموعودة وحقل بعد المعركة ودانتون. وقتها قيل أن فايدا وضع بولونيا على خارطة السينما العالمية! ومع انه تجاوز سن الـ،80 إلا انه لايزال يحتل مركزه المهم في السينما، ويشارك سنوياً في مهرجان برلين، الذي عرض له هذا العام فيلمه «تاتاريك». والفيلم يجمع بين حكايتين، واحدة خيالية مختلقة، وأخرى واقعية، يعاد تمثيلها: مارتا امرأة متزوجة من طبيب في قرية صغيرة، فقدت ولديها في انتفاضة وارشو ضد الاحتلال الألماني النازي. تتعرف مارتا أثناء سباحتها في نهر، تفوح من أوراق تنمو على شاطئه عطور طبيعية جميلة، على فتى شاب، تحاول أن تجد معه السعادة. وفي مرة، أثناء ما يحاول الشاب أن يجلب لها تلك الأوراق العطرة، يعلق بجذور النهر العميقة ويغرق.

يربط فايدا حكايته الخيالية بحكاية ممثلته النجمة «كريستينا ياندا» الواقعية، التي تروي، في مونولوغات مؤثرة، حزنها الحدادي على موت زوجها المصور البولوني الأهم «ادوارد كلوزنسكي» الذي يهدي فايدا الفيلم لذكراه.

يقابل فايدا بين خطين: خط روائي خيالي يعبر فيه عن الصراع الداخلي لبطلة الفيلم، والتي لا تستطيع أن تتجاوز مأساتها وخط واقعي حقيقي. يعاد فيه، ببساطة مؤثرة، تركيب أحداث الشهر الأخير من حياة زوج الممثلة. ويقابل الفيلم بين تجربة امرأتين، تجربة البطلة الدرامية في الفيلم، وتجربة الممثلة المأساوية في الواقع. في النهاية تذوب المرأتان وتتوحدان في شخصية واحدة.

يسرد فايدا حكايته الثنائية بنظرة مزدوجة، والطريف أن الكتاب الذي سبق أن ألفه فايدا من سنوات طويلة عنوانه «الرؤية المزدوجة»: نشرته المؤسسة العامة للسينما في دمشق 1993 وترجمه صلاح صلاح.

يقول فايدا: «لأنني اشعر أن هناك رغبة في بلدان متعددة لخلق سينما وطنية تصور وتصف أسلوب الحياة فيها بكل أفراحها ومشكلاتها وهمومها، فقد أردت أن يخاطب كتابي شباب تلك البلدان قبل غيرهم». ويروي في الفصل الثالث «الحياة غنية بالأفكار» قصة، سمعها من ممثل: في أحد شوارع موسكو مرت فتاة بفريق تصوير فيلم وتبادلت أطراف الحديث مع ممثل شاب، وتبادلا الإعجاب، وبعد أيام سار معها ليوصلها إلى بيتها وقضيا وقتاً رائعاً. في الصباح التالي ذهب لشراء بعض الحاجيات للإفطار، أثناء ما كانت الفتاة نائمة، لكنه حينما أراد العودة أضاع طريقه في شبكة معقدة ومحيرة من ممرات البنايات المتشابهة، وباءت محاولاته اليائسة بالفشل في العثور على باب تلك الشقة، الذي فتح له، كما اعتقد، باب حياته الجديدة.

يتبع فايدا، في كتابه، المراحل الأساس عملية إنتاج الفيلم من ولادة الفكرة إلى السيناريو مروراً بالتصوير والمونتاج حتى ليلة الافتتاح، الذي يجده طقساً حزيناً، لأن الفيلم لو نجح فسيأتيه بالمشكلات مع زملائه، ولو لم ينجح فستنهال عليه أيضا المشكلات. في هذا الحفل يتوقع المخرج حدوث كارثة.

 

alzubaidi0@gmail.com

 

تويتر