أقول لكم

محمد يوسف

في حوار تلفزيوني، تحدث الفريق ضاحي خلفان عن أولئك الذين أساؤوا استخدام صلاحياتهم في ما أوكل إليهم من أعمال، خصوصاً في جانب التعيينات ورفع سقف الرواتب، وتطرق إلى إحداث حالة تضخم وظيفي جعلت الجميع ينتبه إليها اليوم.

وأقول لكم، ربما يكون من إيجابيات الأزمة المالية أنها نبهتنا إلى مصادر هدر كبرى كنا غائبين عنها بحكم الصعود غير المنطقي للأعمال في كل القطاعات، ونبهتنا أيضاً إلى وجود أشخاص كانت تغطيهم تلك الهالة المضيئة الناتجة عن تدفق الاستثمارات وتضاعف حجمها عشرات المرات، وهو ما جعلنا لا نرى الحقيقة، ونعتقد بأن «فلتات» الزمان قد ظهروا في هذا التوقيت، وأنهم هم الذين صنعوا التقدم، والتطور الذي نشهده، لكن الهزة القوية كشفت الحقائق، وتبين أن الصرف غير المبرر وتفريغ المشروعات وتكرارها والتنافس العشوائي والغيرة والحسد هي العناوين السائدة، وهي التي أدت إلى تفاقم تداعيات الأزمة، وهي التي يجب أن نعيد التفكير فيها، وأن نبحث في مبرراتها قبل أسبابها، وأن نمنع تكرارها عند انتعاش الاقتصاد، وبنظرة عامة متجردة من أي غرض شخصي يستطيع كل واحد منا أن يرى كيف كنا نعيش في جو «استنساخ» للأفكار، وتقليد مفرط لكل ما هو ناجح، وأصبح من يدير مشروعاً ناجحاً في مجال معين يفهم فيه خبيراً في المجالات الأخرى، فيذهب بأرباح المشروع الأصيل إلى مشروعات «فرعية» لا يفقه فيها شيئاً، حتى تبددت الإيرادات، وتراكمت المصاريف، وتحولت الشركات والهيئات الكبرى إلى ما يشبه المشاع، فهي تعمل في العقارات، وتعمل في الاستثمارات، وتعمل في إدارة مراكز التسويق، وتعمل في مجال المصارف، وتعمل في مجال الثقافة، وتعمل في التراث، وتعمل في الاتصالات، وتعمل في الإعلام، وفي كل مجال من تلك المجالات «تفرخ» مجموعة أخرى من الأعمال المستقلة والمتضاربة، ولكل منها إدارة عليا وإدارة متوسطة وكادر وظيفي متكامل، والنتيجة أن الأصل تضرّر، وأن الفروع لم تكن سوى عالة لم نجن منها غير الاستنزاف المنظم، وهذا ما تنبهنا إليه بعد أن زالت تلك الهالة التي صنعت حول أشخاص وجدوا في أيدهم وتحت تصرفهم مئات الملايين، ولم يعرفوا ماذا يفعلون بها.

 

myousef_1@yahoo.com

تويتر