«حركة تصحيح»

سامي الريامي

ما حدث بالنسبة لنا لا يعتبر أزمة كما هو في أميركا أو بريطانيا، ما حدث في الإمارات «حركة تصحيحية» إن صح التعبير، كنا بحاجة إليها قبل هذه الأحداث المالية العاصفة بأكثر من خمس سنوات.

وسواء اشتدت الأزمة، وأثّرت في قطاعات اقتصادية مختلفة أو لم تشتد، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من الأمور، وسواء استمرت الأزمة المالية أشهراً قليلة أو أعواماً، أو تجاوزها العالم بسرعة شديدة، علينا أن نستمر في انتهاج سياسات إعادة النظر في أمور كثيرة.

لا عيب أبداً في توقف عدد من المشروعات العقارية، بل لا مبرر في الأساس لتلك الطفرة، ربما كانت الحسابات قبل خمس سنوات مختلفة، وربما كانت تحتمل الصواب والخطأ، ليس هذا المهم الآن، بل ما يهم هو أن الوضع العالمي الحالي يحتم علينا إعادة النظر بكل هدوء وروية، وإعادة الحسابات بمنظور اليوم لا منظور الأمس، وعلينا أيضا إعادة التقييمات والدراسات، ومن ثم العمل بالواقعية الجديدة.

يجب ألا نلتفت إلى كل ما يقال أو يشاع أو ينشر، فلنتجاوز حسد الحاسدين وشماتة الشامتين، فالعالم كله في سفينة تشبه «التايتنك»، كل شجاع لابد أن يقفز منها ويبحث عن النجاة.

الأزمة المالية فرصتنا الكبيرة، وربما تكون الوحيدة، للتخلص من أخطاء الماضي، وإعادة ترتيب البيت من الداخل، وكل الأمور مشروعة وجائزة في سبيل تجاوز آثارها.

يجب ألا نحصر تفكيرنا في جانب التقليل من الآثار الاقتصادية للأزمة فقط، فهي ليست عقاراً ولا أسهماً ولا بنوكاً أو مصارف، الفرصة اليوم مواتية لعلاج كل خلل، وحل كل معضلة ومشكلة، ربما تكون المسألة صعبة نوعاً ما، هذا صحيح، ولكن الفرص لا تعود كثيراً، ونحن أمام فرصة تاريخية لا بد من الاستفادة منها قدر الإمكان.

فلنبدأ بالعقار، لا مانع من ذلك، فالقطاع لايزال ينقصه الكثير، بل إن الأزمة كشفت لنا مدى الحاجة إلى كثير من تنظيم العلاقة بين المالك أو المطور والمستثمر، والأزمة كشفت لنا غياب البنية التحتية القانونية والتنظيمية عند كثير من المطورين الرئيسين، وإذا لم نبدأ من اليوم بوضع الخطوط العامة فسنفاجأ خلال العامين المقبلين بحجم مشكلات وقضايا وشكاوى، لا يمكن للمحاكم استيعابه، هذه القضايا بدأت تتشكل ملامحها حالياً، فلنبادر إلى السيطرة عليها قبل أن نفقد السيطرة!

ولكن بعد العقار علينا الانطلاق إلى كل القطاعات الأخرى، فمن المهم مثلاً أن نتعلم من الأزمة «سياسات ترشيد الإنفاق» في جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية، وعلينا إعادة النظر في كل أوجه الصرف، وإيقاف عمليات الصرف على كثير من الأمور التي كنا نعتبرها ضرورية، واتضح أنها ترفيهية لا لزوم لها، لا أقصد قطاعاً معيناً، بل المسألة يجب أن تكون شاملة في كل شيء، واتباع هذه السياسة سيوفر لنا مبالغ كبيرة، دون أن تكون له أي سلبيات تذكر على عجلة الحياة والاقتصاد في الدولة.

الأزمة المالية العالمية ليست كلها سلبية، ولن نصل في الإمارات إلى الحد الذي تفلس فيه الشركات وتغلق المصارف بكل تأكيد، لكن علينا الاستفادة قدر الإمكان من الحد الذي وصلنا إليه، فمازالت إيجابياته أكثر من سلبياته.

reyami@emaratalyoum.com

تويتر