2009 عام الحسم

جورج فهيم

سيدخل عام 2009 مدونة التاريخ على أنه عام الحسم الذي سيحدد لعقود وأجيال طويلة مقبلة مصير الاقتصاد العالمي، ويضع الحد الفاصل بين عالم متكامل أو عالم متصارع، وبين عالم يتحرك نحو التنمية أو عالم يتحرك نحو التخلف، وبين عالم يتجه نحو الرفاهية أو يسقط في براثن الفقر، وبين عالم تحكمه المصالح المشتركة أو يسود فيه القوي على الضعيف وتتنازعه التوترات القومية والعرقية.

ويخطئ من يظن أن الاختيار المطروح علينا هو بين القبول بمعدلات نمو أقل أو العودة إلى سنوات النمو غير المتوازن التي سادت طيلة سنوات العقد الماضي، وإنما الاختيار الحقيقي هو بين القبول باقتصاد عالمي متوازن أو اقتصاد عالمي غير متكامل، وهو اختيار صعب يضع العالم بين أمرين أحلاهما مر، فتحقيق التوازن يعني أنه يتعين على الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تعيش على عرق غيرها أن تتخلص ليس فقط من الاختلالات الهيكلية والعجز المزمن في الميزان التجاري وموازين المدفوعات، وإنما عليها أيضاً الاستمرار في استيعاب فائض المدخرات والسلع والخدمات التي تنتجها غيرها من الدول، مثل الصين والهند.

وإذا كان خيار تحقيق التوازن صعباً فإن خيار التراجع عن تكامل الاقتصاد العالمي أكثر صعوبة، بل يكاد يكون مستحيلاً، لأن استمرار أزمة النظام المصرفي العالمي ستعني حتماً استمرار النزيف في قيمة الأصول، وتوالي الانهيارات في أسعار العقارات والأسهم، وتراكم الديون الحكومية، ليس فقط بسبب زيادة الإنفاق العام لتعويض النقص في الإنفاق الخاص، وإنما أيضاً بسبب مخصصات إنقاذ البنوك وتراجع الإيرادات الضريبية.

وهذه المتوالية اللانهائية من الفعل وردود الفعل تعني في النهاية طوابير من العاطلين لها أول وليس لها آخر، وتوترات سياسية واجتماعية تعصف بأمن واستقرار العالم.

وفي هذه الأجواء لا يمكن لأي حكومة على وجه الأرض مهما كانت شعبيتها أن تقاوم الضغوط الشعبية المطالبة بوقف نزيف البطالة وتصدير الوظائف إلى الخارج، والمطالبة بتأميم القطاع المصرفي لتوجيه المدخرات لتمويل عملية التنمية المحلية، وهذه الوصفة هي أقصر وأسرع طريق للعودة إلى التأميم وفرض سياسات الحماية والقيود المشددة على حركة انتقال رؤوس الأموال والعمالة وتبادل السلع والخدمات، وهو تحول كفيل بأن يمحو عقوداً من إنجازات التنمية وتوسع التجارة العالمية في لمح البصر.

ومن المؤكد أن الاختيار الصعب بين «اللاتوازن» و«اللاتكامل» يطرح سؤالاً مهماً عن الجهة التي يجب أن يناط بها بلورة الحل النهائي، هل المؤسسات الدولية التي فشلت في منع وقوع الأزمة أو حتى مجرد التنبؤ بها؟ أم السياسيون الذين يضعون مصالحهم الشخصية ومصالح دوائرهم الانتخابية ومددهم الرئاسية فوق كل اعتبار؟. وهل يجوز لنا أن نظل في مقاعد المتفرجين وندفع فاتورة الحل مثلما دفعنا فاتورة الأزمة من قبل.

 

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر