المنطق السينمائي

قيس الزبيدي

بناء على سؤال لمجلة «دفاتر السينما» الفرنسية أجاب الفيلسوف جيل دولوز، إن كتابه الأول (فلسفة الصورة- الحركة. ترجمة حسن عودة. الفن السابع (17) المؤسسة العامة للسينما/دمشق) هو عن تاريخ السينما، لكنه في الواقع، عن تاريخ طبيعة السينما «لأن الفيلم في كليته، يُبنى، على حركة الصورة، وبهذا يستطيع أن يبتكر مجموعة صور مختلفة تماماً ويولفها، قبل أي شيء، عن طريق المونتاج».

توجد، تاريخياً، صور إدراك وصور فعل وصور إحساس، إضافة إلى صور أخرى كثيرة. يتم تنسيقها وترتيبها عبر ثلاثة أنواع من صور الحركة: صورة الإحساس «اللقطة العامة» ويمثلها «فيرتوف»، وصور الفعل «اللقطة المتوسطة» ويمثلها «غرفث»، وصور العاطفة «اللقطة القريبة» ويمثلها «دراير». وكما ابتعد تشارلس ساندرس في تصنيف العلامات بعيداً عن النموذج اللغوي، وجدت من المغري تماماً أن اكتشف، إلى أي مدى، ينتج الفيلم مادة متحركة تتطلب فهماً جديداً للصور وللعلامات وبهذا المعنى حاولت أن اكتب كتاب منطق: كتاب منطق الفيلم.

سبق لامانويل كانت أن بين أن طريق الإنسان إلى المعرفة يتم عن طريق حدسي مباشر، وعن طريق، غير مباشر، هو طريق المفاهيم: في الحالة الأولى يُلزم الوضوح وفي الثانية يُلزم الاستخدام الصحيح للمفاهيم. وإذ ترتبط اللغة، عضوياً، بالتفكير، الذي يتميز عن الإدراك الحسي، بالقدرة على سبر أغوار المعرفة، والنفاذ إلى جوهر الأشياء.

إن طبيعة آلية معرفتنا العادية، هي طبيعة سينمائية، أكنا نفكر في الصيرورة أو في التعبير عنها أوفي إدراكها، فنحن لا نفعل أكثر من أن ندفع بجهاز سينمائي داخلي إلى الحركة.

تستخدم السينما في الواقع معطيين: مقاطع لحظية تسمى الصور، ومقاطع زمن غير منظورة، تتكون داخل جهاز التصوير، وتنتج، على التعاقب، صوراً مختلفة ومتتابعة، وطبقاً لذلك تقدم لنا السينما نموذجاً لحركة كاذبة. وما يثير الفضول حقاً أن برغسون أطلق على وهم الحركة الأشد قدما لقباً حديثاً سماه «سينمائي»!

ليست السينما سوى إعادة إنتاج وهم ثابت، عن طريق العرض، لأن السينما، كمنظومة، تعيد تأليف الحركة من خلال ردها إلى أية لحظة زمنية، تأتي قدرتها من التقلص أو التمدد، الإبطاء أو التسارع. ويتشكل في زمن المكان: الماضي، كما يتشكل في زمن الحركة: الحاضر. لأن الحركة في المكان انتقال، وحينما يحدث الانتقال في أجزاء في المكان، يحدث أيضاً تغيّر نوعي في حالة الكل. يختار دولوز مثالاً من الفيلسوف برغسون: حيوان يتحرك (أ) ودافع حركته الحصول على الطعام (ب) وبهذا يكون الحيوان في النقطة (أ) جائعاً وفي النقطة(ب) يصل إلى الطعام ليأكل، عندها تتغير حالة الكل الذي يضم في داخله النقطة (أ) والنقطة (ب) وفي ما بينهما يتغير جميع ما كان موجوداً.

من أين يأتي جوهر الصورة التعبيري؟

يسلط دولوز الضوء على تطور تنويعات الممارسة والنظرية لنماذج المونتاج المتعددة: كل صورة حركة هي وجهة نظر في سياق كل فيلمي، يتنوع ويتماسك في سياق عاطفي وفعال وحساس، ويمنح الصورة وظيفة قرائية/دلالية في ما وراء وظيفتها البصرية.

 

alzubaidi@surfeu.de

تويتر