الاحتياج لبدائل ثقافية

أحمد السلامي

لا جدال في أن لحظة الخلق والإبداع تتفتق من ذات الفرد من دون أن يكون للمؤسسة أو الجماعة أي دور في هذه العملية، إلا بقدر استحضار المبدع لبيئته وما حوله في سياق توظيفه الاختياري لما يخدم النص ويعزز رؤيته.

وفي مقابل تحرر اللحظة الإبداعية وفرديتها يفترض أن يتحرر المنتج الإبداعي الناجز من هيمنة المؤسسة وتصنيفاتها، وهذا هو ما تعاني منه الثقافة العربية باختلاف مخرجاتها.

لا أود هنا أن أسرد أنواع المؤسسات التي تحاصر وتحاكم المبدع والنص وفقاً لمزاجها وتقييمها الخاص الذي لا يعترف بمعايير النقد الأدبي، كما ان هذه الإشكالية لم تعد محصورة لدى أصحاب الفهم المتشدد لتعاليم الدين مروراً بهيمنة العادات والتقاليد الاجتماعية، بل إن بعض المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي أصبحت هي التي تمارس الوصاية على الإبداع أكثر من غيرها.

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أحد الأمثلة للمواقف التي تتخذها بعض الجهات الثقافية العربية، من دون أن يعي القائمون على رأسها أنهم بحاجة لاستيعاب التحولات الجديدة في الإبداع بما يضمن إشراك التيارات الأدبية الشابة في الحراك الثقافي الراهن، بدلاً من تفصيل المهرجانات على مقياس واحد لا يعترف بمقاييس الآخرين.

يقودني الحديث هنا إلى مصر التي لاتزال أم الدنيا وقبلة الفن والثقافة، فها هي القاهرة تستعد في شهر مارس لإقامة مهرجان للشعر العربي، لكن الجهة المنظمة التي يرأسها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي قررت استبعاد الشعراء الذين يكتبون قصيدة النثر من المشاركة في المهرجان، الأمر الذي دفع عدداً من الشعراء الشباب في مصر إلى السير باتجاه تنظيم مهرجان آخر باسم مهرجان الشعر البديل.

وإذا ما نجحت هذه التظاهرة الموازية للمهرجان الرسمي، فإنها ستؤسس حتماً لما هو أهم من انعقادها باعتبار أن هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها ابتكار بديل لمهرجان الشعر الذي ترعاه الحكومة.

لا شك أن المشهد الثقافي العربي أصبح بحاجة لبدائل ومبادرات جديدة في التفكير والخطاب والممارسة وفي رفض الارتهان لأحادية المؤسسة وبرامجها القائمة على استبعاد الخطاب الإبداعي المختلف، والذي لا ينسجم مع الذائقة التقليدية.

لكن المطلوب من المهرجانات البديلة للأنشطة الحكومية هو أن تتجاوز كونها مجرد وسيلة لاعتلاء المنصات أو رد فعل على الإقصاء أو مكايدة لحجازي وغيره، والأهم من ذلك أن تتحول إلى مبادرات دائمة لا يقصد منها معاندة أو استعطاف الجهات الرسمية.

وقياساً بأهمية مثل هذه الأنشطة الأهلية، فإن الساحة الثقافية العربية بحاجة لمبادرات أخرى يتوقع منها أن تتجنب الطبيعة الاحتفالية لذلك النوع من الفعاليات التي ينتهي أثرها فور مغادرة المشاركين إلى بلدانهم، فنحن اليوم أحوج ما نكون لبدائل ثقافية تكسر الحواجز التي تحجب الكتاب الجديد عن القارئ وتعيق التواصل بين المشرق والمغرب وكأننا نعيش في جزر متباعدة.

 

slamy77@gmail.com

تويتر