لا تقرأ هذا الكتاب
«لا تقرأ هذا الكتاب».. ربما تكون هذه العبارة ليست جديدة، خصوصاً في الصحف الغربية، ولكنها طازجة ومعتدية وغريبة في الصحف العربية التي اعتادت التغني بالخراب واستقبال المجاملة لكل ما يصل من الآخر أو الكاتب على اعتبار انه إبداع أو في الطريق الى الإبداع قد يأتي ولو بعد حين.
«لا تقرأ هذا الكتاب» نصيحة تثمّن عالياً في مكانها الأصلي حين تشير بكل أصابعها الى الاستسهال وصياغة التلف في عالم من كتب تقذف بها المطابع ليل نهار، من دون أن تكون هناك رقابة على ما يطرح من رديء، حتى ولو جاء متوجاً ضمن غلاف أنيق وشعار عضلي يدفعك دفعاً نحو ممارسة الملل وهو يقول «اقرأ» هذا الكتاب أو هذه السلسلة التي تصدرها دولة أو منظمة ما لبعض الملهمين في مدح بيضة الديك على الرغم من أنها واحدة.
كتب رديئة ليس فيها ما يدعو الى نزعة التأمل، وليس فيها ما يحترم ذكاء المثقف المعاصر يفتقها المرء بعد الغلاف فيجد أنه أمام مراهق طري العود يريد أن يقول لفتاة ما «أحبك» ويتقدم لخطبتها ضمن جاهة وجيهة قد تتشكل من أبي فلان أو علان وينتهي الموضوع بعرس عادي وطعام دسم ينفخ تحته الرجال وعريس بربطة عنق وجيوب كثيرة يقف بين أقاربه ومعارفه لاستقبال العملة المحلية.
كتب أخرى يكشف سترها «الإهداء» خصوصاً حين تكون موجهة لتركيب بطولة ما لجد قاتل مع العثمانيين من دون ذكر المعركة أو متى حدثت لأن المهم هنا أنه نجح أخيراً في العودة الى قريته ليجلس بين الناس ويغني «الميجنا» من غير أن نعرف كيف ربطت هذه «الميديا» العائلية بين الحرب والميجنا .أما الأنكى من هذا وذاك فيكمن في كتب السير الخاصة بالابطال من الكتاب والتي حين يمسكها القارئ تصبح كالثلج بين يديه وتجعله يردد ما قاله الكاتب ناصر بن صالح الغيلاني «سئمت من الكتب، لم يعد فيها شيء يغريني، لقد عرفتها على حقيقتها، واكتشفت خداع هؤلاء الكتاب البائسين، إنهم حمقى وكسالى، ويتوهمون أنهم عرفوا أسرار الكون، وأنهم وحدهم من يملك الحقيقة».
لكن الغريب هنا هو أن معظم الكتّاب العرب لهم سير وبطولات قروية وأيام سجن قد تكون ثمناً لفاتورة لم تدفع أو قيمة لشيك بلا رصيد أو مشاجرة بعد شراب ثقيل تتحول الى تهويمات وتدخل في لغط شوفيني محفوف بالثرثرة عن أب مصاب بكثرة الكرم أو معركة شوارع من بيت لبيت خاضها الكاتب نفسه، على الرغم من أنه لم يكن مجنداً أو فدائياً، أو حتى عضو كشافة في أي يوم من الايام.
وأمام هذا الكلام هل يمكن للمؤسسات الثقافية والجهات الداعمة أن تتوقف عن المشاركة في نشر هذه الكتب الملتبسة؟ وهل يمكن للمجلات الثقافية أن تكون أكثر قدرة على دحر هذا الهجوم الدائم على ساحة الإبداع من قبل الأشباه حتى تفسح المجال للإبداع الجيد، وتوفر الورق لكتابات أخرى تحتفي بالجمال وبالحياة وتبقى متوهّجة.