قمة الاقتصاد قبل السياسة!!

سامي الريامي

تستحق القمة العربية الاقتصادية التي اختتمت اجتماعاتها أمس في الكويت أن نطلق عليها تسمية «قمة الاتفاق العربي»، بعد أن كان من المتوقع أن تكون قمة لمزيد من الخلافات العربية، خصوصاً في ظل الوضع السياسي المتأزم والمحتقن، بسبب تداعيات كارثة غزة.

المصالحة العربية التي تمت في القمة بين مصر والسعودية وقطر وسورية ألقت بظلال إيجابية للغاية، وساد جو من الارتياح العام لم يكن محصوراً في قاعات الاجتماعات في قصر بيان، حيث اجتمع القادة، بل امتد ليشمل المركز الإعلامي الذي أقيم في فندق الماريوت والذي يضم مئات الصحافيين والإعلاميين العرب، ومئات القنوات الفضائية والصحف العربية التي حرصت على تغطية الحدث.

لم نلحظ الصراخ العربي «الشهير»، ولم نشهد المناقشات العربية «الساخنة»، ولم نسمع تبادل وجهات النظر على الطريقة العربية المبنية على قاعدة «خذوهم بالصوت»، فالوضع العام كان مليئاً بالارتياح، والأجواء العامة كانت تسير في طريق المصالحة على كل الأصعدة والمستويات.

القمة العربية أثبتت أن هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن يختلف عليها العرب وبشدة أحياناً، لكن في المقابل هناك الكثير من الجوامع التي يمكن أن تلتقي فيها الشعوب العربية، وهناك الكثير من المرتكزات التي يمكن أن تلغي الخلافات العربية في لحظة تفكير جدي وواقعي.

مشكلتنا الرئيسة في «اللسان» العربي الذي يعدّ أحد أكبر أسباب الشقاق والفراق والخلافات، وإذا ما شئنا جعلناه أحد أهم أسباب الاتفاق والترابط والوحدة!

عموماً أهمية القمة العربية الاقتصادية في الكويت برزت نتائجها واضحة في رأب الشقاق بين عدد من الدول المحورية في الوطن العربي الكبير، لكن الأهم من ذلك هو كيفية الاستفادة من هذه الأجواء التصالحية في تدعيم مسيرة العرب، وتعزيز تعاونهم والمضي قدماً في مشروعات التنمية الاقتصادية التي تعد أحد أهم مفاتيح استمرارية التصالح العربي.

الحلّ في اعتقادي هو فتح باب الاقتصاد على مصراعيه، والتضييق على باب السياسة، فنحن لم نستفد من السياسة سوى خلافات على مدى عشرات الأعوام، وأهمية قمة الكويت كونها أول قمة عربية «اقتصادية»، ومع ذلك سيطر الجو السياسي على جميع جوانبها، لا يهم ذلك فالنتيجة كانت إيجابية، لكن يفترض الآن ترك السياسة جانباً والعمل على نشر التنمية الاقتصادية بين دول المنطقة، حان الوقت للانطلاق، خصوصاً بعدما تعهدت الدول العربية في القمة على توفير ملياري دولار للتنمية العربية، فالاقتصاد يجمّع أكثر مما يفرّق، ولكم في الاتحاد الأوروبي أسوة حسنة.

صاحب السمو رئيس الدولة أعرب في كلمته التي وجهها للقمة عن «قناعته بأن المدخل الأساسي لتحقيق الأمن القومي العربي هو في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي»، وقال إنه «يتطلع إلى أن تشكل القمة الاقتصادية منعطفاً جديداً للارتقاء بالتعاون الاقتصادي العربي وتحقيق التكامل في توظيف الموارد والإمكانات العربية». نعم هذا هو الطريق الصحيح للوحدة والتكامل، خيل الاقتصاد هي التي يجب أن تقود عربة السياسة وليس العكس، هذا إذا أردنا أن تقلّ الخلافات العربية إلى الحد الأدنى.

القمة العربية الاقتصادية هي النموذج الذي يجب أن يسود، لا نريد قمماً عربية سياسية، بل نريد قمماً اقتصادية تناقش على هامشها قضايا سياسية، ولعل نجاح القمة العربية الاقتصادية في الكويت يعطينا الدافع للبدء في تفضيل الاقتصاد على السياسة.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر