لغز ارتفاع الدولار!

جورج فهيم

يبقى الارتفاع الشديد في قيمة الدولار أمام العملات الأخرى اللغز الأكبر الذي لم يستطع أحد حتى الآن فك شفرته ومعرفة حقيقته، وحسب المنطق وقواعد الاقتصاد كان من المفروض أن تنخفض قيمة العملة الأميركية نتيجة لأزمة الركود الاقتصادي العالمي، وتماشياً مع أوضاع الاقتصاد الأميركي التي خرجت من رحمه الأزمة.

لكن الذي حدث أن الدولار ارتفع بشكل غير طبيعي أمام جميع العملات الأخرى الرئيسة في العالم، بما في ذلك العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» والجنيه الإسترليني والين الياباني، بل وحتى أمام العملة الصينية التي ظلت الولايات المتحدة تشكو من أنها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، وهو ما يتسبب في فيضان من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وعجز قياسي في الميزان التجاري الأميركي تجاوز أكثر من 800 مليار دولار أي أكثر من 7% من إجمالي الناتج المحلي الأميركي.

وحتى وقت قريب، أي قبل حدوث أزمة الركود الاقتصادي العالمي، كانت البنوك المركزية في شرق الكرة الأرضية وغربها، تتسابق من أجل تنويع محفظتها من العملات الأجنبية، من خلال خفض نسبة الدولار وزيادة نسبة العملات الأخرى. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطات الأجنبية بالدولار خارج الولايات المتحدة تصل إلى 20 تريليون دولار، وبالتالي فإن أي تغيير ولو طفيف في حجمها سيؤدي إلى انخفاض غير مسبوق في الطلب عليها وزيادة هائلة في المعروض منها، وبالتالي انهيار شديد في قيمتها وانهيار مماثل في وضع الاقتصاد الأميركي.

وبدلاً من ذلك، حدث ما لم يكن يتوقعه أحد وتحولت أزمة الركود الاقتصادي العالمي إلى عصا موسى التي ابتلعت كل ثعابين السحرة، وأصبح الدولار هو الملاذ الآمن الوحيد في العالم أمام الاستثمارات مستفيداً من حالة الشك وانعدام الثقة التي أصابت النظام المصرفي العالمي، وجعلت العالم يشعر أنه لا توجد عملة واحدة في العالم قادرة على الصمود أمام طوفان الركود سوى الدولار، ولعله من اللافت أنه كلما اشتدت أزمة الركود الاقتصادي ازداد الدولار قوة، وتسارعت عملية التحويل العكسي من العملات الأخرى، وتوقفت حركة نزوح رؤوس الأموال العالمية من العملة الأميركية التي أعادت ترسيخ مكانتها عملةً للاحتياطات العالمية.

ورغم كل مساوئ أزمة الركود الاقتصادي العالمي، فإن اقتصادات الدول الخليجية التي ترتبط عملاتها بالدولار استفادت بصورة غير مباشرة بخروج الدولار من غرفة الإنعاش وعودة الوعي إليه، وارتفعت قيمة العملات الخليجية في مواجهة العملات الأخرى بصورة تلقائية، وأسهم ذلك بصورة كبيرة في خفض كلفة فاتورة الاستيراد الخليجية التي تأتي في أغلبها من الدول الأوروبية والآسيوية التي تراجعت قيمة عملاتها في المقابل، ومع انخفاض قيمة فاتورة الواردات انخفضت أيضاً حدة التضخم الذي كان قد وصل إلى مستويات قياسية تحد من قدرته على النمو والمنافسة، والأهم من ذلك أن الأبواب أغلقت أمام رؤوس الأموال العالمية التي تدفقت للمضاربة على فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار.

 

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر