من المجالس

عادل محمد الراشد

الطبخ في مجلس الأمن الدولي على وجهين. وجه يستدعي طريقة الوجبات السريعة عندما يكون الأكَلة في عجلة من أمرهم، لا تصبّرهم ترتيبات، ولاتسد جوعهم تقليبات. فهم يلحّون للإسراع بإنضاج القرارات، وتجهيزها لتكون على حزام التنفيذ المباشر، متبوعة بضوابط وشروط وعقوبات جاهزة لمن يرفض التنفيذ أو يتلكأ في القبول. والوجه الآخر لـ«طبيخ» مجلس الأمن يفضّل النار الهادئة، غير محكوم بوقت، ولامدفوع بعجل. بل إن تمطيط الوقت هو عنصر التحضير الرئيس الكفيل بوصول الطبخة إلى مستوى النضج الكامل الذي يسهل عملية المضغ، ويسرّع مهمة الهضم.

ولكل قضية تعرض على مجلس الأمن الدولي مواصفاتها ومقاييسها التي تحدد مكان هذا القرار أو ذاك في خانة الوجبات السريعة أم في مكان الطبيخ طويل الأمد. وأما من يحدد وجهة القرارات إلى الطبخ السريع أو البطيء فإن في مجلس الأمن الدولي عدداً قليلاً من الطباخين، يرأسهم «الشيف» كبير الطباخين، وأما باقي الأعضاء فهم مجرد معاونين يمسك كل واحد منهم بأداة من أدوات الطبخ ولا يحركهم من مكانها إلا بأمر «الشيف».

في قضية الحرب على غزة.. واضح أن «الشيف» وكبار معاونيه يريدونها على نار هادئة. فلحوم ضحايا غزة «عردة» وعصية على النضج السريع. حتى أشلاء الصغار وأجسادهم الغضة لا تبدي استجابة سريعة لنيران الرصاص المصبوب فتكون سريعة الهضم. ولذلك فكبير الطباخين وفريقه يفضلون طبخ قرار وقف النار على نار هادئة، متكئين على أن الوقت لايزال مبكراً على المهمة الإسرائيلية في غزة مادامت المقاومة تتنفس وأهالي غزة صامدين.

الطرف العربي من جانبه، وكعادته، ذهب إلى مجلس الأمن بخطاب العواطف لا بمنطق السياسة، فأرادها وجبة سريعة يخرج بعدها مجلس الأمن بقرار سريع وحازم يدعو «إسرائيل» لوقف عدوانها على القطاع الجريح. ولكن الطرف العربي ذهب مرة أخرى بذاكرة ضعيفة وربما ممسوحة، فلم يستحضر عدد «الفيتوات» التي استخدمتها أميركا في هذا المجلس ضد كل قرار خاص بالقضايا العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية. فأحسن الظن مرة أخرى ودخل في متاهة المساومة والمقايضة التي غالباً ما تجبره على الانتظار حتى تحترق الطبخة.

 

Adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر