«لعنبوا» السياسة وميكيافيللي!!

سامي الريامي

«لعنبوا السياسة» التي تعمي البصر والبصيرة، و«لعنبوا» ميكيافيللي صاحب «الغاية تبرر الوسيلة»، التي لمسناها واضحة في السياسة الهمجية الإسرائيلية التي لا تعرف الفرق أبداً بين مقاتل وطفل وعجوز وكهل..

هل يستطيع قادة إسرائيل وأميركا وأوروبا أن يجيبوا عن سؤال واحد: «بأي ذنب قتل أحمد ومحمد وعيسى؟».

ثلاثة أطفال لا يتجاوز أكبرهم عامه الثاني، بالتأكيد ليسوا مقاتلين، ولا يعرفون ماذا تعني كلمة «كاتيوشا» أو حتى مسدس، لا علاقة لهم بـ«أوسلو» ولا يعرفون أين تقع المعابر، وبالطبع لا يعرفون «حماس» ولا السلطة الفلسطينية!!

لم تمهلهم القوات الإسرائيلية أصلاً ليعرفوا كل هذا، بل لم تتركهم حتى ليعيشوا طفولتهم «المعذبة» الخالية من كل علامات الطفولة، ألا يكفي شقاؤهم وفقرهم؟ ألا يكفي حرمانهم من أبسط ما يجده الطفل في أي بقعة من العالم؟

لم يكونوا «طامعين» ليطلبوا الحليب الطازج و«الكورن فليكس» ورقائق البطاطا والشيكولاتة بأنواعها، ولم يكونوا يرتدون ملابس شخصيات «والت ديزني»، ولم تكن الألعاب وسيارات «الريموت كنترول» تملأ جوانب غرفتهم «المستقلة» المليئة بالدمى وشاشات الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية..

كانوا بؤساء حالهم حال جميع من يقطن هذه الكيلومترات البسيطة، إذا وجدوا لقمة الإفطار فإنهم بلا شك لن يجدوا «خبز» الغداء، وإذا وجدوا «خبزاً» لن يجدوا دواءً إذا مرضوا، وإذا وجدوا الدواء، فلن يجدوا الماء النقي الصافي الذي يشربونه مع الدواء!!

ومع ذلك، استكثروا عليهم هذه الحياة، فقتلوهم جميعاً، قتلوهم وهم مختبئون من الموت في غرفة صغيرة، لكن الموت باغتهم على متن صاروخ إسرائيلي متطور، مصنوع في عصر الحرية والتقدم والتطور البشري، في عصر حقوق الإنسان والحيوان، عصر يقف العالم فيه بأسره لحماية كلاب ضالة، بينما أحمد ومحمد وعيسى وغيرهم المئات من أطفال فلسطين، يقتلون ويشوّهون، ويحرقون، ويجوعون، من دون أن يفقهوا شيئاً عن الذنب الذي اقترفوه!!

هي الهمجية واحدة، فمن كان يدفن «بناته» في عصور الجهل، لا يختلف كثيراً عمّن يقتل الأطفال، ويهديهم الصواريخ لتأخذ أرواحهم وهم نيام في عصر الحرية والتطور والعلم، والمغدور بهم أيضاً سواسية فلا «الموءودة» عرفت بأي ذنب قتلت، ولا أطفال فلسطين اليوم يعرفون سبب قتلهم بدم بارد!!

هل هناك عقل بشري يستطيع استيعاب حجم الصدمة التي مرّ بها مجدي السموني والد الأطفال الثلاثة الذين قتلوا بصاروخ واحد؟ هل يدرك أحد هول الموقف الذي جعله يحتضن جثث أطفاله، وهو يصرخ ويقول «المجرمون قتلوا أطفالي، قتلوا عائلتي»؟

هل يدرك عالم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في أميركا وأوروبا ماذا يعني أن يفقد الرجل أطفاله أمام ناظريه، وهو عاجز عن أن يقدم لهم العون أو الحماية؟ بالتأكيد لن يدركوا ذلك، لأنهم لم يكونوا يوماً في موقف الضحية، ولم يكونوا يوماً فلسطينيين، وبالتالي فهم يتفهمون دائماً وجهة نظر إسرائيل التي تدافع عن نفسها.. تدافع عن نفسها بقتل أحمد ومحمد وعيسى ومعهم مئات الأطفال والنساء والعاجزين، حقاً «لعنبوا» السياسة مائة مليون مرة!!

reyami@emaratalyoum.com

تويتر