أقول لكم

محمد يوسف

أربعة أيام قد تكون فرصة لالتقاط الأنفاس، وقد تكون كافية لأن أرى المشهد العام من دون أن أشارك فيه، وكنت متوقعاً أن يكون لهذا «الزلزال» توابع تبدأ بكلمة من هنا وأخرى من هناك، لكنها لا تنتهي إلا بمأساة أكبر من آثار الضربة الصهيونية لغزة.

مسكينة هذه الأمة، فالكل يتحدث نيابة عنها، والكل يدق مسماراً في نعشها، والكل فيها بطل عندما لا تكلفه البطولة شيئاً، ابتليت هذه الأمة، بمغامر غرته بضع خطب جوفاء، أو بأهوج قاده حمقه إلى مناطحة جبل، وعندما «انفلق» رأسه بكى طالباً عون المتخاذلين عن الواجب إلا واجب النفخ على الرماد ليشعل ناراً بعيدة عنه، وابتليت الأمة بمتربص «يجعجع» منادياً «حي على الجهاد»، وعندما يراق الدم يشير إلى غيره، يناديهم، ويطلب منهم أن يفعلوا ما لم يفعله هو، يريد مزيداً من الانكسار لهذه الأمة، وهو يضيف كل يوم قوة على قوته، ويفرغ العواطف بمسيرات صورية وخطابات لا تعرف ما الصدق، ثم يرسل المساندات عبر رسائل مؤازرة مخطوطة ببقايا الأشـلاء، ولا يقرأ الفاتحة على الأرواح التي أُزهقت ظلماً وعدواناً.

وسلام على هذه الأمة، سلام على الحق والحقيقة، ولا سلام على شهادات الزور من هواة النميمة الذين تركوا المجرم يعيث فساداً في الأرض، يقتل الأطفال، يرمل النساء، يجرح كل عربي مخلص في كرامته، وذهبوا إلى ساحة أخرى، ساحة التنابز بالألقاب، والتناحر عبر مكبرات الصوت والصورة، وقذفوا الحجارة في وجه بعضهم بعضاً، وتراكمت الشتائم حتى غطّت على المذابح، وترك القاتل طليقاً، وامتد العجز ليطال الإخوة، هكذا أرادوها، أن يغطوا «العورات» التي انكشفت بتلطيخ الآخرين بخبائثهم، وانشقت الأمة، للمرة الأولى في تاريخها تعيش الأمة مأساة مثل هذه، فينجح العدو الظاهر، ويضحك العدو الباطن، ويتناسى كل الذين تقاذفوا بتلك العبارات النابية أن مصر 48 و56 و67 و73 مازالت حاضرة أمامنا وهي تتقدم الصفوف وخلفها الجميع، أو منفردة بعد أن تخلى عنها الجميع، قوية، ومنيعة، رافعة الرأس، مؤمنة بقدرها، لا تنكسر، تنهض من كل كبوة أكبر مما كانت، ولا تمن على أحد، ولا تكف يدها عن مساعدة أحد، ولا تتردد في تقديم التضحيات.

سلام على هذه الأمة المسكينة، فقد أوصلوها إلى مرحلة اختلطت فيها الاتجاهات، وضاع العقل، فتغيرت بوصلة المنطق والمعقول، فإذا بنا نأكل بعضنا ونترك حقنا يُداس.

 

myousef_1@yahoo.com

تويتر