«مؤلّف» واحد وآلاف «المروجين»!!

سامي الريامي

تنامي ظاهرة «الشائعات» بطريقة غريبة، ومملة في كثير من الأحيان، يستدعي دراسة ميدانية عملية للوقوف على أسبابها وكيفية الحد من أضرارها، خصوصاً أن الأوضاع الحالية التي يمرّ بها العالم بشكل عام، والدولة على وجه الخصوص، غير مواتية أبداً لانتشار ظاهرة من هذا النوع، خصوصاً أن البعض يعمد إلى استغلال حالة الخوف والقلق عند الكثيرين، ليلعب على هذا الوتر بتأليف المزيد من الأخبار الخاطئة والقصص «الملغومة».

ربما يعدّها البعض وسيلة لإثبات الشخصية، وفرصة لاستعراض المهارات «المزيفة»، ولربما يعاني البعض أمراضاً نفسية، لمَ لا، فالذي يوهم نفسه ويوهم الناس بقصص من نسج الخيال، وتعاني «ركاكة» و«ضعفاً» في السرد والمنطق، ولا تربطها أي علاقة بالتفكير العقلاني، ويحاول تسويقها على أنها حقائق مسلّم بها، لاشك أنه يعاني خللاً نفسياً معيناً.. ربما نقص في خفايا الشخصية، أو عقدة قديمة، أو أي من الأسباب التي يعرفها جيداً الأطباء النفسيون! ربما يكون عدد مبتكري وصانعي الشائعات ليس بكثير، فهم ربما لا يتجاوزون بضع عشرات أو مئات في كل مدينة، لكن المصيبة تكمن في عدد «مروجي» هذه الشائعات، وهم بالأحرى «الموصلون» الذين يشكلون حلقة الربط الأساسية بين مؤلف الشائعة ومتلقيها، بل ويعدّون الوقود المحرك لقوة الشائعة وانتشارها.. الغريب في الأمر أن الكثير من هؤلاء «الموصلين» يفعلون ذلك بحسن نية، وعلى الرغم من عدم قناعة أو تصديق عدد كبير منهم بمحتوى الشائعة إلا أنه وللأسف يتحول إلى «مروّج»، فينشرها بضغطة زر «فورود» على الموبايل، أو الإيميل، أو يرميها «شفوياً» في كل تجمّع، أو يعلنها لمن يشاء، ويسرها إسراراً لمن يشاء، وفي النهاية، وسواء دخلت المسألة في «حُسن» أو «سوء» النية، فالنتيجة واحدة، الشائعة تنتشر والمروجون يتزايدون! في الأسبوع الماضي انتشرت «شائعة» ساذجة، وفي الوقت نفسه «تافهة» لدرجة يصعب إقناع أي مجنون بها، فهي تتحدث عن عطر تستخدمه عصابة لإفقاد الضحايا الوعي، واختتمت الرسالة التي تناقلها الجميع، رغم ضعفها وركاكتها، بفقرة تقول: «انشرها لتنقذ نفساً بشرية من الموت». وبالرغم من «تفاهة» محتوى الرسالة النصية القصيرة إلا أنه تم تداولها بشكل يفوق الخيال، واضطر مع ذلك المسؤولون في وزارة الداخلية إلى «نفيها» في اليوم التالي، مع أني أعتقد أن «شائعة» من هذا النوع كان يجب عدم التعاطي معها من الأساس، فهي لا تستحق حتى ثمن حبر «الكمبيوتر» الذي طبع به خبر النفي!

من هذا الموقف البسيط نستنتج أن هناك «مؤلّفاً» واحداً كذب على الناس والمجتمع، وألف قصة «خيالية» لأسباب غير معروفة، لكن في المقابل هناك عشرات الآلاف من «مروجي» الشائعة، استطاع هذا «المؤلف المريض» أن يستخدمهم في نشر شائعته دون أن يدفع لأي منهم فلساً واحداً! فمتى يصل أفراد المجتمع الى درجة النضج في التعامل مع «الشائعات»، ويدركون قبل أن يضغطوا على أي زر سواء في الهاتف أو «اللاب توب» مدى حجم تأثير العمل الذي سيقومون به؟ متى سيقرر الشخص الترفع عن أن يكون أداة ترويج عند مجهولين لا نعرف نواياهم تجاهنا وتجاه مجتمعنا ودولتنا؟ المسألة ليست صعبة، فدعونا نرفض جميعاً أن نكون «مروجي» شائعات، دعونا نفكر 1000 مرة قبل تمرير أي رسالة، ونفكّر فعلاً في الضغط على زر «دليت» عند كل رسالة تافهة أو ساذجة أو كاذبة.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر