لا تقلّد يا إسماعيل!

سالم حميد

رأيتُ نظرات والقهر في عيون صديقي الهولندي العجوز اسماعيل، بعد ضحكات الجمهور عليه، الذين استأنسوا بردي الظريف عليه عندما أطلقت عليه اسم إسماعيل، بعد أن أتعبني بأسئلته واستنكاره لكل ما أقول، وذلك في أول لقاء لي معه في مؤتمر ثقافي في امستردام العام الماضي، وبمجرد أن انتهت أعمال المؤتمر وخرجتُ من القاعة التف حولي بعض الهولنديين ومعهم اسماعيل، كلٌ لديه تعليق أو سؤال، فقلت في نفسي هذا الاسماعيل سيلاحقني مجدداً باسئلته وتعليقاته البلهاء، وأنا أرغب في الخروج على وجه السرعة من هذا المكان، فتجاهلته وأعطيتهُ ظهري أكلم بعض الحضور.

«احم احم.. سيد سالم، يا ابني يا سالم»، إنه اسماعيل يكلمني وحوله عدد من الهولنديين المتلهفين لما سيدور بيني وبينه من مناظرة ثانية. رددتُ عليه: «أرجو المعذرة سيدي، لأنني منشغل بالتحدث مع آخرين كما ترى»، فقال الآخرون على الفور:«لقد انتهينا ونود الاستماع إلى مناظرتك الثانية مع السيد اشمايل». اسماعيل: «لا بأس يا بني، أنا البروفيسور توماس ميلان، استاذ وباحث في علم اللسانيات، وتحديداً في اللغة العربية، ولقد استمتعت بمحاضرتك رغم سوء الفهم الذي حصل بيننا، ولكن أوّد أن تكون صريحاً معي، لأنني أريد أن اكمل مناظرتي معك التي أرجو ألا تعتبرها استفزازية».

لاحظتُ أن أغلب الجمهور المتجمع حولنا يحملون في أيديهم كؤوس نبيذ باستثاء اسماعيل، فسألته لماذا لا تشارك أصحابك الشراب؟ فنظر إليّ اسماعيل بغضب مع احمرار في وجهه وقال بكل استهجان وباللغة العربية:«تف تف تف! استغفر الله.. استغفر الله.. استغفر الله العلي العظيم من كل ذنب عظيم، أنا لا أعاقر الخمر والعياذ بالله!»، فجاوبته وباستغراب: «أعاقر! من أين لك بهذه النوعية من الكلمات العربية التي قلما نسمعها؟ ثم أخبرني، هل أنت مسلم يا اسماعيل؟ أرجو المعذرة لم أقصد الاستهزاء بك عندما سميتك اسماعيل، ولكن وبصراحة شكلك يناسب اسم اسماعيل كثيرا». فقال: كلا لست بمسلم، بل مستشرق ومستعرب، وأعيش كالعرب وأقلدهم حتى في عاداتهم وتقاليدهم».

أنت حقاً مستعرب، ولكن من دون اقتناع! أدركتُ حينها كم هو اسماعيل عبقري في مجال اختصاصه، لكن عبقريته دفعته إلى الجنون، فكما قيل بين العبقرية والجنون خيط رفيع، فكل ما يفعله يأتي من باب التقليد الأعمى بلا اعتقاد! ومنذ أيام معدودات أرسل إليّ رسالة تهنئة بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، فبعثتُ له رسالة شكر جوابية متمنياً له هو كذلك عيد كريسماس سعيدا، لكنه لم يتقبل ذلك ورد عليّ بغضب: «أنا لم أهنئك بعيد الكريسماس!».

إن نجاح الإنسان في نواحي حياته كافة يتوقف على مدى مسعاه. صحيح أن التقليد ليس عيباً ولكن هل التقليد هو الطريقة المثلى لمنافسة الآخرين؟ قد يتساءل القراء عن مغزى هذا المقال، لكنّ مزيداً من التوضيح سنعرفه في الأسبوع المقبل.

salemhumaid.blogspot.com

تويتر