غير ضرورية

ياسر الأحمد

«عندما يفكّر السجين بالنور فهل هو ذاته الذي يضيء»

بابلو نيرودا



في لقاء معه يقول الشاعر فرج بيرقدار إن خروجه من السجن جعله يرى العالم أكثر نقصاً وتشوهاً مما كان عليه قبل أن يُسجن، أما رؤوف مسعد فيقول في كتابه «بيضة النعامة» إن تجربة السجن تجربة مهمة لكنها غير ضرورية؛ فالسجن في النتيجة قيد على الحرية يمكن الاستفادة منه جزئياً، لكن التخلص منه سيكون أكثر فائدة بالطبع.

فتجربة السجن القاسية والعنيفة قد تنتج كتابات رائعة كما حدث مع هوشي منه وغرامشي و نهرو، خصوصاً حينما يكون السجن فرصة لبلورة تجربة العمل السياسي وإعادة النظر في أخطاء التجربة، وربما يكون الانتقال من السجن إلى قصر الرئاسة كما حدث مع المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا. وهذا ما تحدث عنه القرآن حين تحدث عن النبي يوسف الذي مكث في السجن بضع سنين، ثم خرج ليصير وزيرًا على خزائن الأرض، وقصائد رائعة أيضاً تولد في السجن كما حدث مع أبي فراس الحمداني حينما سجن فكتب قصائد سميت «الروميات»، تفيض بالحنين «لأشياء تافهة» كما يقول سجين سابق. وقد يكون ثمن السجن جنوناً وضياعاً وربما موتاً كما حدث للحلاج.

لكن بالنسبة للسجين فالأكثر قسوة هو تجريده من شخصيته الداخلية من خلال حلاقة الرؤوس وفرض زيّ موحد على الجميع، وطرق التنظيم والسيطرة في السجن تستحق بحثاً خاصاً وحدها، وهذا ما فعله الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو عندما حلل الفكرة الكامنة وراء السجن، ليرى أنها مراقبة ومعاقبة كما سمّى كتابه، بحيث يكون السجن حاضراً دائماً في خلفية تفكيرنا أثناء ممارستنا نشاطات الحياة.

وأهل السجين أيضاً يعانون معاناة فظيعة يمكن أن تفرّغ في نص أدبي جميل، كما فعلت بلقيس شرارة حين تحدثت عن القلق والخوف اللذين مرا على عائلتها حين سجن زوجها رفعت الجادرجي في عهد الرئيس صدام حسين في نصف كتاب أكمله السجين نفسه متحدثاً عن سجنه والأشخاص الذين مروا به في السجن وعاشوا معه، ولكن اللافت أن الكتاب لم يصدر إلا بعد سقوط حكم صدام، وكأن السجان بقي حاضراً في ذهن الكاتب رغم خروجه من العراق مبكراً.

وعبدالرحمن منيف كتب عن السجن روايته الشهيرة «الآن.. هنا» مخبرنا بأن وطننا مازال عذاباً وجدراناً. والروائي الشهير الطاهر بن جلون كتب تجربة مدهشة لرجل سجن تحت الأرض سنوات طويلة ثم خرج يبحث عن الحياة التي فاتته. وللسجن وجه آخر تحكي عنه السينما بصرياً مجسدة التعذيب والانتهاكات المتعددة كما فعل فيلم «الكرنك»مثلاً، وكما يحدث في بعض أفلام السينما المغربية الآن.

وللتكنولوجيا أحكامها أيضاً، فبسبب المدونات الإلكترونية يسجن البعض لأنهم تجاوزا الخطوط الحمر التي لم يسلم منها فضاء الإنترنت، ثم يخرجون ليدوّنوا.. وربما ليسجنوا من جديد.
تويتر