ظاهرة «الانحياس»
في اللهجة الإماراتية «الحياسة» تعني الالتواء، وعندما يقوم شخص ما بلوي شيء نقول «يحيسه»، فدعونا ننظر هنا إلى بعض الظواهر «المنحاسة».
في مجلس شبابي استمعت لبعض الشعراء الهواة ممن يعشقون الشعر النبطي، كل منهم يلقي على مسامع الحضور أحدث قصائده حتى أصبت بالغثيان، ليس من الشعر إنما من اللهجة الخليجية المستوردة التي لا تمتّ بأي صلة لأصالة الشعر النبطي الإماراتي، والغريب أن الواحد تلو الآخر يلقي الشعر باللهجة والطريقة نفسهما! سألتهم لماذا تلقون القصائد النبطية بلهجة غير إماراتية؟ لماذا «تستعرّون» من لهجتكم الإماراتية؟! فقالوا إن هذه هي اللهجة الدارجة حالياً في الساحة الشعرية المحلية!
يبدو أن ما هو دارج حالياً جعل كثيرين من شبابنا الشعراء يتخلّون عن الأسلوب الشعري الإماراتي البحت، وعن كثير من البحور الشعرية المحلية الأصيلة والجميلة لدينا كالونّة والتغرودة والردحة والشلة وغيرها، وأصبحوا يقلدون شعراء دولة خليجية أخرى، الأمر الذي يشكّل خطراً كبيراً على التراث الشعري الخاص بدولة الإمارات قد يعرضه للانقراض! أتمنى من «المحيوسة» ألسنتهم أن يدركوا أن إلقاء الشعر النبطي باللهجة الإماراتية لا يقل إبداعاً وإنشاداً ونغماً عن بقية اللهجات الخليجية؛ ليس تقليلاً من شأن الشعر في بقية دول الخليج، ولكن هم لهم لهجتهم ونحن لنا لهجتنا. إن ظاهرة «الانحياس» لدينا لم تقف عند حد الشعر فقط، بل طالت الكثير من المواضع، ولكن ما السبب الذي يؤدي إلى «انحياس» الفرد؟ بكل بساطة هو الهروب من مواجهة الواقع وإنكار الحقيقة!
أنا شخصياً حاولتُ أن «أنحاس» في آخر مقالين عن الأسلوب الذي أتبعه في كتابة هذه الزاوية، وفشلت بحكم بعض القراء، والسبب يعود إلى الانتقادات التي تعرضت لها، فأحد القراء قال إنني أعاني عقدة «النقص»، وإن المواضيع التي أطرحها (أنا أسميها قفشات) لا يكترث بها أحد ولا يعيرها أدنى انتباه، وكلامي يستحق القذف به في أقرب صندوق للقمامة؛ لأنه مثير للضحك والغيظ والحنق، وإنني لا أحظى بعُشر معشار جميع أعشار أي أديب كي أتظاهر بأنني أديب! وبصراحة لا أذكر أنني ادعيت أني أديب لكي أتظاهر بدور الأديب! ويبدو أن صاحبنا المنتقد قد أصيب بمرض «الانحياس» هو كذلك! يا أخي بإمكانك أن «تحيس» بناظريك عن مقالاتي ولا تقرأها إن كانت قد سببت لك كل ما ذكرت!
يُروى أن آسيوياً في الإمارات أراد أن «ينحاس» فلبس الزي الإماراتي وراح يتمشى، فسأله صديقه عن سبب ما فعل، فقال: «أريد أن أشعر بأنني غريب في هذه البلاد». كل شيء قابل «للانحياس» في مجتمعنا من سلوكيات اجتماعية، وأفكار متزمّته، ولباس، وعادات دخيلة، ومشروعات متكررة وخيالية، على حساب ابن البلد، وأموال مهدورة، وأسهم مغشوشة و... ويكفي هذا القدر قبل أن «أنحاس»!