مبادرات فردية

أحمد السلامي

تبدو بعض الجهات المعنية بالشأن الثقافي العربي في حالة قطيعة مع العصر وتقنياته، وبوسع المتابع للانترنت ملاحظة الركود المزمن الذي تسجله اتحادات الأدباء والكتاب وغيرها من المؤسسات التي لم تفلح في مواكبة المشهد الثقافي ومستجداته.

وفي مقابل عجز الهياكل الثقافية عن الاستفادة من معطيات الانترنت، والإسهام في بنائها، نجد أن المبادرات الشخصية للأفراد هي التي تتحمل عبء بناء المواقع الإلكترونية التي تمثل ـ برداءة وجودة محتواها ـ خلاصة إسهام العرب اليوم في بناء شبكة المعلومات العالمية.

ولأنها مبادرات فردية غير مدعومة، تبقى اغلب المواقع الالكترونية الثقافية وغير الثقافية عرضة للتوقف او الاعتماد على اجترار المحتوى، بسبب غياب البناء المؤسسي وانعدام التمويل.

ومع ذلك فإنها تظل تعكس شغفا فرديا ورغبة في كسر حواجز العزلة التي تفصل بين أجزاء المشهد الثقافي العربي.

غير أن معظم الأسماء الأدبية التي تسوقها المواقع تنتمي للجيل الشاب الذي لا يواجه مشكلة في التعامل مع الحاسوب، وبصورة عامة فإن ما ينشر من نصوص قد لا ينقل صورة مكتملة للمشهد الادبي بأجياله المختلفة.

وبشأن تأثير النشر الإلكتروني على تطور النص الأدبي شكلاً ومضموناً، يتمسك البعض بمقولات هلامية تتحدث عن كتابة رقمية مغايرة، لكن ومن الناحية التقنية لم تتضح حتى الآن ملامح كتابة جديدة تتسق مع ما تتيحه شاشة الحاسوب من أدوات ومقترحات.

ولايزال مستخدمو الانترنت يتعاملون مع النشر الالكتروني بوصفه مجرد وعاء لا يختلف عن الورق ولا يوحي للكاتب باجتراح شكلانية تستثمر فضاء الشاشة ومميزات التصاميم والأيقونات والروابط التشعبية ووسائط الصوت والصورة.

يمكن القول إن المواقع والمجلات الالكترونية نجحت في إضفاء أهمية على الخبر الثقافي المحلي وتسويقه على نطاق واسع، وتمكنت إلى حد ما من منافسة الملاحق الثقافية الورقية من خلال سرعة نشرها للمادة ومواكبتها للحدث الثقافي، والأهم من ذلك خلو الصحافة الإلكترونية من الاحترازات والقيود التي تكبل الصحافة التقليدية.

وتختلف مساحة الحرية في المواقع والمنتديات تبعاً لثقافة صاحب المنتدى أو محرر الموقع وتبعا لقناعاته ومدى شجاعته في التغلب على رسائل القراء الفضوليين، وبعضهم قد يهدد بتدمير الموقع وغزوه بالفيروسات.

وأخيرا، اسهمت مواقع الثقافة والأدب على الانترنت في إحداث تواصل بين المشاهد الأدبية بتمايزاتها وخصوصياتها، وخلافاً للواقع الجغرافي العربي الذي فرض ما يسمى بالمركز والهامش، اتحدت هذه الثنائية في عالم الانترنت الافتراضي، ومع مرور الوقت تحقق هذه المبادرات الفردية ما لم تحققه دور النشر ووزارات الثقافة واتحاد الكتاب العرب.

تويتر