من ذاكرة الاتحاد

اكتشاف النفط.. وتأسيس دوريات ساحل عُمان

صورة

أدى اكتشاف النفط على نطاق واسع في الخمسينات من القرن الـ،20 إلى تدفق كثير من الاستثمارات الأجنبية إلى الإمارات المتصالحة للمرة الأولى، ما جعل السلطات البريطانية تتحمل بعض المسؤولية لحماية تلك الاستثمارات. وبعد قضاء فصل شتاء واحد في أعمال المسح الزلزالي في أراضي الإمارات المتصالحة أوائل عام ،1949 قررت شركة تطوير نفط الساحل المتصالح أن تبدأ الحفر في أحد المواقع الواعدة، وحفرت أوّل بئر في فبراير عام ،1950 في منطقة رأس الصدح بأبوظبي، في منتصف الطريق بين مدينتي أبوظبي ودبي، واستلزم إعداد الموقع بناء رصيف لرسو السفن في البحر وطريقاً ومهبطاً للطائرات، إضافة إلى استيراد معدات الحفر ومواد البناء ومصنع لتوليد الطاقة.

وقد تم التخلي عن البئر واعتبارها «حفرة جافة» إلى أن بلغت الحفريات عمق 13 ألف قدم، أما البئر الثانية فحفرت بجبل علي في أراضي دبي، واحتاج الأمر إلى نقل مختلف المعدات والمواد من موقع البئر الأولى في أبوظبي إلى دبي. وفيما بعد، حُفر مزيد من الآبار في مواقع مختلفة في أبوظبي، وبئر واحدة في الشارقة.

واستدعى الأمر إنشاء معسكرات لإقامة العاملين، ما تسبب في ارتفاع تكاليف عمليات التنقيب عن النفط في الخمسينات من القرن العشرين، لتبلغ ملايين عدة من الجنيهات الإسترلينية.

وظلت الحال على ما هي عليه إلى أن أعلن في 28 اكتوبر من عام 1960 عن اكتشاف النفط بكميات تجارية في حقل مربان بأبوظبي، وبات ممثلو شركات النفط الناطقون بالعربية يوجدون في مجالس الحكام كل يوم تقريباً، خلال مرحلة التنقيب عن النفط، لترتيب الاحتياجات اليومية لشركائهم.

وفي الوقت نفسه، وظف مئات من السكان المحليين، الذين كانوا يتصلون مع الأوروبيين والأميركيين العاملين معهم خلال التدريب والعمل، وبقدر ما كانت الشركة ترغب في الحصول على عمالة مستقرة ومدربة، كان ذلك الأمر مرغوباً بالنسبة للسكان المحليين المتطلعين إلى تحسين مستواهم من خلال التعليم والرعاية الصحية الأفضل، والاتصال مع العالم الخارجي، وكان سكان الساحل يتطلعون إلى التمتع بالمكاسب نفسها التي حصل عليها سكان قطر المجاورة، ونجحوا بالتالي في تحسين ظروفهم، ومن ناحية أخرى، كان من الضروري ضمان أمن الأوروبيين المشاركين في التنقيب عن النفط في البلاد، وضمان أمن المناطق الداخلية والمدن الساحلية إلى درجة تسمح بانطلاق مشروعات التنمية والإعمار بعيداً من المخاطر الأمنية، وهكذا أنشئت قوة أمنية أُطلق عليها «قوة ساحل عمان» (تغيّر الاسم عام 1956 ليصبح كشافة ساحل عمان)، بناء على النظام الملكي رقم (1) لعام 1951 الصادر بموجب المادة (82) من الأمر الملكي الخاص الصادر عام 1950 عن المجلس الملكي الاستشاري الخاص في ما يخص الإمارات المتصالحة.

وتمثلت مهمة تلك القوة في المحافظة على الأمن والنظام في مختلف الإمارات المتصالحة عموماً، وخارج المدن الساحلية بصفة خاصة، وتوفير حرس مرافق للمندوب البريطاني.

وكان يبدو أن الشارقة الموقع الأكثر منطقية لمقرّ رئاسة قوة ساحل عمان، نظراً لإقامة المندوب البريطاني فيها، وعُيّن الرائد البريطاني هانكن تيرفن، القائد الأول لتلك القوة، يسانده ضابطان أردنيان من الجيش العربي، مع عدد من العسكريين من المراتب الأخرى. وتم تجنيد معظم جنود القوة في الخمسينات من القرن العشرين، من مواطني الإمارات المتصالحة، الذين كان الدخل الثابت والتدرب على مهارات مفيدة، يشكلان في نظرهم حافزاً كبيراً للالتحاق بها، وبناءُ على تشجيع من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة البريمي، في حينه، إذ كان يتمتع بنفوذ كبير لدى القبائل، ويدعم إنشاء تلك القوة. وهكذا، ضمت دوريات «ساحل عمان» 200 جندي في بداياتها، معظمهم من أبناء قبائل أبوظبي، وقد نجحت في القضاء على المشكلات الأمنية المنتشرة.

وخلال الستينات من القرن الـ،20 كان التجنيد ضمن «كشافة ساحل عمان» أقلّ نجاحاً لأن الأجور في شركة النفط فاقت أجور منتسبي تلك القوة بكثير. كما كان بإمكان العمال أن يتركوا العمل في الشركة بسهولة وفق ظروفهم، وهذا لا يحصل في حال انخراطهم في تلك القوة.

* من الإمارات المتصالحة إلى الإمارات العربية المتحدة، فراوكه هيرد ــ باي

تويتر