خبراء وإعلاميون: الإعلام الجديد لن ينهي الإعلام القديم ولا بد من التكامل والتفاعل

بحضور مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نظم المركز ندوته رقم "55" بعنوان: "دور منصات الإعلام.. بين الواقع والمأمول"، وذلك يوم الاثنين الموافق 21 أكتوبر 2019، وشارك فيها عدد من المسؤولين ولفيف من الإعلاميين والكتاب ونخبة من المثقفين والمفكرين، ومجموعة من الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى جمع غفير من المهتمين بشؤون الإعلام.

وقد استهلت الندوة أعمالها بكلمة ترحيبية لسعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أشار فيها إلى أن الندوة تركز على إيجاد آليات قابلة للتطبيق من أجل دعم الإعلام التقليدي، وكذلك إيجاد آليات لضبط المحتوى الرقمي وتعزيز الوعي المجتمعي، في ظل المساحة التي يقتطعها الإعلام الرقمي لنفسه في العالم اليوم، وتزايد الحاجة إلى تأهيل المجتمع للتعامل بفهم وإدراك مع التحديات الناجمة عن انتشار الإعلام الجديد.

كما أكد سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، في كلمته، أهمية الإعلام في هذه المرحلة وضرورة الاهتمام به وبما يشهده من تطورات، مشيراً سعادته إلى الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة لمجال الإعلام، لافتاً النظر إلى قول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، "إن الإعلام ليس مجرد مهنة، ولكنه رسالة سامية، والكلمة أمانة كبرى، ومثلما يمكن أن تكون هذه الكلمة لَبِنَة صالحة في بناء التقدم والحضارة والسلام، إذا ما تم وضعها في موضعها الصحيح، فإنها يمكن أن تكون معولاً للهدم".

ثم ألقت وزيرة الإعلام سابقاً، في جمهورية مصر العربية، الكلمة الرئيسية للندوة، الدكتورة درية شرف الدين، وعبرت في بدايتها عن شكرها مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية  للأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، على دعوتها للمشاركة في أعمال هذه الندوة، وقدمت للمركز التهنئة بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسه.

وذكرت الدكتورة درية شرف الدين، أن منصات الإعلام الجديد أصبحت تنافس بشراسة وسائل الإعلام التقليدي من صحافة وإذاعة وتلفزيون، حتى اعتقد الكثيرون أنها حتماً ستزيل المنصات التقليدية، لكن الواقع أثبت أن هذا لن يحدث، فلم تزح الإذاعة عندما ظهرت الصحافة، ولم يلغِ التلفزيون وجود الراديو أو السينما، وأكدت أنه لا وسيلة إعلامية جديدة تقضي على وسيلة إعلامية قديمة، مشيرة إلى أن التاريخ يخبرنا أن التكامل بين الوسائل القديمة والجديدة هو الناتج دائماً، وفي هذا السياق، أشارت الدكتورة درية شرف الدين، إلى كتاب "وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية.. من القبيلة إلى الفيس بوك"، الذي ألفه سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، وقالت إن هذا الكتاب يحمل قيمة كبيرة بالنظر إلى عودته إلى مراحل تاريخية قديمة يرصد من خلالها تطور وسائل التواصل.

وأكدت الدكتورة درية شرف الدين، أن المؤسسات الإعلامية الرسمية لم تعد المصدر الرئيسي للنشاط الإعلامي، وإنما أصبح لها منافسون على استعداد لاكتساح كل العقبات التكنولوجية والمادية للوصول إلى المواطن في أي مكان من العالم، حيث تتمتع بإمكانيات مالية ضخمة ولديها هامش حرية كبير، حتى إن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد تمثل لها منافساً خطيراً، وبرغم ذلك أكدت الدكتورة درية شرف الدين، أن الجميع سيبقى، فلن تنتهي وسائل الإعلام التقليدية، لكنها ستدخل في منافسة شرسة مع وسائل الإعلام الجديد؛ ومن ثم على الوسائل القديمة أن تسعى دائماً للتطوير والتغيير ورفع سقف المشاركة والحريات، مؤكدة في النهاية أنه لا مفر من التنافس ومن التفاعل والتكامل بين القديم والجديد.

 وعقب انتهاء الكلمة الرئيسية، عقدت جلسة ترأسها الأستاذ فيصل بن حريز، إعلامي ومذيع بقناة سكاي نيوز عربية بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عرض الأستاذ حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد بدولة الإمارات العربية المتحدة، ورقة بعنوان: "آليات دعم الإعلام التقليدي لمواكبة التطور"، ذكر فيها أن الإعلام التقليدي يثبت يوماً بعد يوم، قدرته على الصمود والاستمرار، وقال إنه برغم تغير الأدوات وتبدل الرؤى والأنماط وأساليب الطرح وطرق المعالجة، تبقى حاجة الجماهير إلى الصحيفة الورقية بشكلها المعتاد، مشيراً إلى أن انتشار الصحافة الرقمية لن يؤدي إلى اختفاء صناعة الصحافة الورقية.

 وفي هذا الصدد عرض الكعبي تجارب لبعض الصحف الدولية مثل نيويورك تايمز في تطوير المنتج الرقمي الورقي، وتحدث عن مسارات انتهجها الإعلام لتدعيم استدامته، من بينها زيادة الاهتمام بعناصر الإبهار البصري وتطوير إخراج الصحيفة، وتلوين الأساليب التحريرية، واهتمام الصحافة بالمؤثرين في الإنترنت وبرامج التلفزيون، والنشرات الإلكترونية التي تعرضها الصحافة المكتوبة. وأوصى الكعبي في ختام ورقته بعدة توصيات، من بينها: ضرورة تكاتف الرقمي والورقي، كل واحد بحسب طبيعته، وأن يتجه المطبوع إلى التحليل والتفسير والمواد المتخصصة، والرقمي إلى الخبر والنقل المباشر، وتوسع الصحيفة الورقية في الصحافة الاستقصائية والتقريرية ومواد الرأي، وتحويل صفحاتها إلى ساحة لتبادل الأفكار، وأن تعيد اختراع نفسها في أنماط الطرح والإخراج والتعامل مع الصور والألوان.

كما عرض مقدم برامج وصانع محتوى على قناة سكاي نيوز عربية الأستاذ عبدالله البندر ورقة بعنوان: "نماذج ناجحة للخطاب الإعلامي"، قال فيها إن هناك فارقاً بين الخطاب الإعلامي الناجح والخطاب الإعلامي الناجح المهني، وأوضح أن الخطاب الناجح هو عبارة عن "بروباجندا" إعلامية يسهل فيها التأثير في الرأي العام، لكن هذا النجاح يكون قصير المدى، فيما الخطاب الإعلامي الناجح المهني دائماً يكون لديه مشروع إعلامي طويل المدى، ويكون عمر نجاحه طويل المدى أيضاً، وفي هذا الصدد أشار البندر إلى أن قناة الجزيرة فشلت وفقدت مصداقيتها بعد أن حققت نجاحاً عابراً.

وأوضح البندر، أن الخطاب الإعلامي المهني الناجح يستند إلى ركائز عدة من بينها، المهنية والدقة والمتعة في طريق عرض المادة الإعلامية، مشيراً إلى أن الخطاب الإعلامي دائماً ينجح حينما يتبع طريقة ممتعة في توصيله لرسائله الإعلامية، وحينما يبحث دائماً عن الموضوعات الأكثر تداولاً في منطقته، وحينما يلتزم الدقة التي تعني البحث عن المصادر والتأكد من المعلومة.

وتحدث المدير التنفيذي لشبكة تلفزيون أبوظبي  الأستاذ عبدالرحمن عوض الحارثي، في ورقة بعنوان "آليات ضبط المحتوى الرقمي وتعزيز الوعي المجتمعي"، فقال إن الإعلام الرقمي هو سلاح ذو حدين، فإذا أحسن استخدامه وتوجيهه، كان ركيزة تطور للمجتمع، لكن إذا أسيئ استخدامه فسيكون أداة تخريب ومصدراً للشائعات والفوضى. كما استعرض الحارثي إشكاليات المحتوى الرقمي العربي، مشيراً إلى ضعف هذا المحتوى الذي يعد أهم العوائق التي تواجه تحول المجتمعات العربية إلى مجتمعات المعرفة، حيث تسيطر اللغة الإنجليزية على محتوى الإنترنت؛ ومن ثم اعتبر الحارثي أنه لا بد من العمل على إعداد استراتيجية عامة لتطوير المحتوى العربي، تتضمن خطة معالجة شاملة لمشكلة قصور هذا المحتوى.

كما تحدث الحارثي عن محددات إيجابية المحتوى الرقمي، وقال إنها تتمثل في: نشر الوعي المعرفي وتقديم النماذج الإيجابية، ونبذ ثقافة الكراهية والإقصاء، وبلورة خطاب فكري وفني يقوم على التعددية الثقافية التي تحترم الخصوصيات الثقافية، وتعزيز خطاب التسامح ونشره بين الناس والدعوة إلى العمل به، وتشجيع الوسطية والاعتدال، ومحاربة التطرف والإرهاب. وأكد الحارثي ضرورة الحوار ، وشرطه الأساسي الاعتراف بالآخر المختلف، الأمر الذي يعني عدم اللجوء إلى وسائل غير الحوار لتغيير قناعاته. وهذا هو المبدأ الذي يقود إلى التعايش والعيش المشترك الذي يضمن حقوق الجميع.

تويتر