لتحصين النشء من العنف والأفكار المتطرفة

متخصصون ومؤثرون اجتماعيـــون يدعون إلى تضمين التسامح في مناهــج التعليم

المتحاورون أبرزوا دور الأنظمة التعليمية في خدمة المجتمعات وتطويرها. من المصدر

دعا المشاركون في جلسة «مسؤولية المؤسسات التعليمية وإدماج ثقافة التسامح»، التي تضمنتها جلسات القمة العالمية للتسامح، والتي نظمها المعهد الدولي للتسامح، التابع لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، بمشاركة أكثر من 2000 مسؤول من خبراء السلام والأكاديميين والمتخصصين والمؤثرين الاجتماعيين ومبعوثي المجتمع الدبلوماسي الدولي والجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية المختصين والمهتمين وأصحاب القرار، إلى إعادة النظر في الأنظمة التعليمية، وجعلها أكثر مواكبة للتطورات الحديثة التي ترتكز على المعرفة، معتبرين التسامح ركناً أصيلاً ينبغي إدماجه في المناهج الدراسية التي يتعلمها الطلبة في المدارس.

وقالوا إن على «المؤسسات التعليمية تبني برامج تعمل على تعزيز روح التسامح، وتعمد على تحصين الشباب ووقايتهم من العنف والأفكار المتطرفة»، مشددين على أهمية توفير مناخ معزز للإيجابية داخل المؤسسات التعليمية، يساعد على تمكين الطالب من تقبل واحترام التنوّع وخصوصية الآخر.

وأبرز المتحاورون الدور الكبير الذي تضطلع به الأنظمة التعليمية، قائلين إنها يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً، وأن تقوم بعمل عظيم في خدمة المجتمعات وتطويرها، وصيانتها من أن تكون ساحات للعنف وميادين للتطرف بكل أشكاله وصوره.

أمّا الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي (السعودية) صالح بن سليمان بن عبدالرحمن الوهيبي، فقال إنهم يتعاملون من خلال عملهم في الندوة العالمية مع الملايين من الشباب الذين حرمتهم ظروفهم الصعبة حقهم في نيل فرص التعلم والعلاج، مستطرداً: «عند هذه الفئة المحرومة لا يمكن لنا أن نتكلم عن التسامح، بل نباشر خططنا بتوفير فرص تعليمية ووظائف لهم». وأضاف أنهم يركزون في خطتهم الاستراتيجية في الندوة على بناء الإنسان قبل أي شيء، مشيراً إلى أنهم فتحوا 25 مدرسة في إفريقيا، منها ثماني مدارس في نيجيريا، التي يوجد فيها 44 جامعة خاصة، منها 40 جامعة لمؤسسسات مسيحية وأربع فقط إسلامية، مع العلم أن المسلمين يشكلون 60% من نسيج المجتمع النيجيري، مضيفاً: «نعمل على تقديم فرص التعليم مدركين أهميته في تنوير فكر الشعوب وخلق مجتمع قادر على العيش بشكل جيد، مجتمع منفتح متسامح». وقال: «حققنا على أرض الواقع نجاحاً كبيراً، إذ تخرج في مدارسنا وجامعاتنا آلاف من الطلبة، وبعضهم بات معلماً أو ممرضاً بدلاً من أن يكون مشرداً بائساً».

وشدّد المؤسس والمدير التنفيذي لشبكة مبادرات الشباب الإفريقي، فيكتور أوسن، على دور الأنظمة التعليمية في تفعيل سبل الحوار، من خلال جعلها ضمن تكوين وشخصية الطالب.

وعد المؤسسات التعليمية حاضنة مهمة لتعزيز التسامح واحترام التنوّع والتعددية وقبول الآخر دون شروط.

وبين رئيس ومستشار جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية، فضيلة الشيخ أبوبكر أحمد، أن تعاليم الدين الإسلامي تحث على التسامح والتعاضد ونصرة المظلوم.

وأكد مدير عام مؤسسة يامكوني، الدكتور مالك يماني، عن الجانب النفسي، أن التعليم من أهم الأدوات لخلق مجتمعات متسامحة متفتحة.

أمّا مدير مجمع كليات التقنية العليا، الدكتور عبداللطيف الشامسي، فيرى أن غرس قيم التسامح يبدأ في المؤسسات التعليمية منذ مرحلة رياض الأطفال، مؤكداً أن أبناء الإمارات محظوظون بفضل القيادة المؤمنة بهذا النهج. وتابع أن المؤسسات التعليمية في الإمارات قادرة على تأهيل الإنسان بتعليم متقدم، مشيراً إلى أن الإمارات توظف التكنولوجيا في التعليم.

ورأى صالح بن سليمان الوهيبي، أن على المؤسسات التعليمية أن تكون ناشرة للقيم الداعية للاعتدال، وللمبدأ الذي يقول إن الاختلاف سنة الحياة.

يصفح عن خاطف شقيقه في نموذج ملهم للتسامح

فيكتور أوسن، عاش في مخيمات اللاجئين لفترة طويلة من حياته. وقد تحدث عن تجربته الشخصية في ما يتعلق بالتسامح، وماذا يمكن أن يحدث في المجتمعات إذا انعدمت هذه القيمة.

وقال إنه ولد وعاش في أوغندا الشمالية، التي شهدت نزاعات دموية امتدت قرابة عقدين من الزمن خطف خلالها 66 ألف طفل، وتم إشراكهم في الحرب، وخلال هذه الفترة المظلمة، ناضل كي يكمل تعليمه، وتعرض لظروف قاهرة، منها تعرض أخيه وعدد من أفراد أسرته وأصدقائه للخطف، مشيراً إلى أن هذه الفترة كانت مملوءة بمشاعر الكره والحقد.

وقال: «في ظل هذه الظروف والموجة العارمة من الإجحاف وعدم المساواة، وخسارتي أخي الذي تم اختطافه، واصلت طريقي، متسائلاً ما الخيارات المتاحة أمامي وماذا عليّ أن أعمل كرجل أعزل؟».

يتابع: «في هذا الوقت شديد الحساسية ظهر خاطف أخي، وشرح دوره في عمليات الخطف، وكيف أنه مجبر على القيام بذلك كي يتمكن من الحفاظ على حياته. وسط هذا المحيط الذي تعصف به الدموية والكراهية».

وقال: «شعرت بالدوار وفقدت توازني ولم أتمكن بسبب حالة الإغماء التي حدثت لي أن أكمل حواري مع خاطف أخي، وبعدها بأيام تمكنت من معاودة الحديث معه، وعلمت منه كيف أنه أجبر على القيام بما قام به، فعرضت عليه عملاً، وكان رده: كيف أعمل وأنا لم أتعلم؟».

وتابع: «وظفت خاطف شقيقي، وبعدها قد لا أكون تصالحت معه بشكل تام، لكني شعرت براحة شديدة».

أمّا الشيخ أبوبكر أحمد، فقال: «لدينا سوء فهم عن التسامح، والدين الإسلامي دين تسامح ورحمة وتآلف. وعلينا أن نعلم الشباب ما هو الإسلام الحق، وما هو الدين الحقيقي، وكيف يمكن أن نتعاضد ونترابط».

خطابات الكراهية يغذيها الخوف من الآخر

أكدت متخصصة الشؤون التعليمية العابرة للقارات، ماريا لوسيا، أن هناك تزايداً في خطابات الكراهية التي يغذيها الخوف من الآخر والعمل بانعزالية، موضحة أن معالجة المسألة بإشراك المدارس والمؤسسات التعليمية والنظر إلى نقطة مهمة، هي ما الذي يدفع الشباب في أكثر من بقعة في العالم إلى تبني أفكار متطرفة؟

واستطردت: «الإجابة واضحة، لكن الحل هو الذي يجب أن نعمل عليه بسرعة، فالشباب لا يشعر بالانتماء، وتتملكه مشاعر مختلطة، ولا يتبنى هوية واحدة، والأنظمة التعليمية الحالية، بواقعها الذي هي عليه، لا تستجيب لاحتياجات النشء والجيل المستقبلي»، مطالبة بإعادة النظر في الأنظمة والبرامج التعليمية، وأن تعتبر نفسها جزءاً أساسياً من الحل، ما يتطلب أن يكون لدينا تعليم واعٍ، لا يكتفي بالمحتوى بل بإدارة العملية التعليمية والأخذ في الاعتبار حقيقة التعددية، وهو ما لا يحدث في كثير من الأنظمة التعليمية.

وقالت: «علينا أن نجد مساحات آمنة للأطفال للتواصل مع أنفسهم، حيث يُملى عليهم في أغلبية الأحيان ما يجب أن يكونوا عليه، إلى جانب توفير مساحة ثقافية معرفية ودينية في الأنظمة التعليمية، وتعليمهم احترام الآخر».

تويتر